آخر تحديث: 6 / 10 / 2024م - 1:38 م

فائدة لغويّة «56»: اللّغة بين التَّعدُّد والازدواج

الدكتور أحمد فتح الله *

خلفية معجمية قصيرة:

التَّعدُّد: مصدر الفعل تَعَدَّدَ يَتَعدَّد، تعدُّدًا، فهو مُتعدِّد، تعدَّد: صار ذا عددٍ «بعد أن كان واحدًا»، تَعَدَّدَتِ الآرَاءُ حَوْلَ الْمَوْضُوعِ: كَثُرَتْ، تَنَوَّعَتْ، ومتعدِّد الأغراض: يُستفاد منه في عدّة أشياء.

الاِزدواج: مصدر الفعل إِزدَوَجَ يَزدوِج، ازدواجًا، فهو مُزدوِج. ازدوج الشَّيء: صار اثنين. اِزْدَوَجَتِ الشَّخْصِيَّة: صَارَ لَهَا مَظهران، ومُزْدَوِج: مُركّب من عنصرين أو شيئين.

التعدّديّة اللّغويّة والازدواجيّة اللّغويّة:

يميّز اللّسانيّون «علماء اللّغة» بين مصطلحيّ ”التعدّديّة اللّغويّة“ «Multilingualism» و”الثنائيّة اللّغويّة“ «Bilingualism» من جهة ومصطلح ”الازدواجيّة اللّغويّة“ «Diglossia» من جهة أخرى.

يتكون التعدّد اللّغويّ، في أبسط حالاته، من لغتين مختلفتين، وتسمى الحالة: ”الثّنائيّة اللّغوية“، والتي تعني وجود لغتين متنافستين في الاستعمال وتتمتّعان بمنزلة واحدة من حيث الكتابة والاستعمال الرّسمي واليوميّ في بلد ما، كما في الجزائر ولبنان، حيث اللّغة العربيّة لغة مشتركة تتقاطع مع اللّغة الفرنسيّة، يجيدهما المتكلّمون بالقدر نفسه من الكفاية، وهكذا حال اللّغة الفرنسيّة والإنجليزيّة في كندا. وقد تتعدد اللغات بأكثر من لغتين في دولة ما، كما في السويد والهند، على سبيل المثال[1] .

وهناك عوامل كثيرة تؤدي إلى وجود لغتين أو أكثر في بيئة أو مجتمع ما، من بينها الغزو الاستعماري بأنواعه المختلفة، وهجرة الجماعات، والهيمنة اللّغويّة للغة ما.

في حين أن ”التعدّديّة اللّغويّة“ تكون خارج اللّغة، ”الازدواجيّة اللغويّة“ تكون داخل اللّغة الواحدة ذاتها، أي بأشكال لغويّة متعددة، كاللهجات، في اللّغة الجامعة. و”الازدواجيّة اللّغويّة“ مصطلح مشتقّ من اليونانيّة، انتقل إلى اللّغة الإنجليزيّة عن طريق اللّغة الفرنسيّة، وأوّل من أشار إلى مفهوم ”الازدواجيّة اللّغويّة“ هو الفقيه اللّغوي «Philologist»، الفرنسي من أصل يوناني، يانيس بسيكاريس «Ioannis Psycharis»، في نهاية القرن التّاسع عشر، وقد قصد به حالة اللّغة الإغريقيّة، وبعد ذلك في ثلاثينيّات القرن العشرين، استعمل وليام مارساي «WilliamMarçais»، المصطلح لوصف حالة اللّغة العربيّة، ولكن لم يدخل المصطلح مضمار علم اللّغة الاجتماعيّ حتى سنة 1959م، حين وظّفهُ شارل فيرغوسون «Charles Ferguson» في مقاله الكلاسيكي المشهور في مجلة «Word» الذي حمل العنوان «Diglossia» ويناقش فيه وضع اللّغة العربيّة بلغة معياريّة ولهجات[2] . يتلخص تعريف ”الازدواجيّة اللّغويّة“ باستخدام فرد أو جماعة ما لمستويَين لغويّين ﻓﻲ بيئة لغويّة واحدةٍ؛ أحدهما ذو اعتبار ”أرقى“ من الآخر، فيستخدم في الكتابة الأدبيّة والعلميّة والفكريّة وما إلى ذلك. والآخر يستخدم في لغة التّخاطب اليوميّ، ويُنظر إليه على أنّه ”أدنى“ من المستوى الأوّل. يطلق فيرغوسون ”الصنف الرّفيع“ «High»، اختصارًا (H)، على المستوى الأوّل، كحال اللغة الفصحى. أمّا اللّهجات الإقليميّة «المحليّة» فيسميّها ”الأصناف الأدنى“ «Low»، اختصارًا (L) [3] . وخير مثال على ذلك، العاميّة الدّارجة في العربيّة، فهي تستعمل في لغة الحديث اليوميّ ولا تستعمل عادة في لغة الكتابة، إلّا لسبب أدبي أو وظيفي. [4] 

 

[1]  الفرد الذي يتتقن لغتين كالعربية والانجليزيّة فيقال عنه ”ثنائي اللّغة“ «Bilingual» وإذا زاد لغة أو أكثر يقال عنه ”متعدد اللغات“ «Multilingual».

[2]  المقال، كما بين فيرغسون في الهامش الأول، كان عبارة عن نسخة معدلة ومطورة لكلمة بعنوان: ”فصحى أم لهجة: معياريّة وأحدة أو إثنتان؟“، ألقاها قبل عام في مؤتمر للجمعية الأمريكية الأنثربولجية «1958م» في مدينة واشنطن دي. سي بأمريكا.

[3]  تتحقق الازدواجية اللّغويّة، كما يشرح فيرغسون، حين تتوفر اختلافات جليّة ومهمة بين المستويين في عدة أمور حددها، منها: الوظيفة، والاعتبار، والرصيد الأدبي، والتعلم.

[4]  في معجم المعاني الجامع: ازدوج لسانه: استعمل اللغة الفصحى واللغة الدّارجة.
تاروت - القطيف