آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 2:42 ص

فائدة لغوية «29»: مِبْطانٌ وغَرْثى

الدكتور أحمد فتح الله *

المِبْطَان

المِبْطَان: الممتلئ البطن، وقيل كثير الأكل.

والبَطِن: الأشِرُ المُتَمَوِّلُ، ومَن هَمُّه بَطْنُه، أو الرَّغيبُ لا يَنْتَهي من الأكْل، قيل كالمبطان.

والبَطِين: العظيم البطن، أَمَّا المبطون فهو العليل البطن، يشكو بطنه. ويقال: كِيسٌ بَطِين: ملآنُ.

والبِطْنَة: الامتلاء الشَّديد من الطَّعام، وفي المثل: ”البِطْنَة تذهب الفطنة“.

غرثى

غَرْثى، وغَرَاثَى، وغِراثٌ جمع غرثان، وغرثان اسم فاعل من غَرِثَ غَرَثًا: جاع، فهو غَرْثان، جوعان وجائع، وفي الحديث: ”كلُّ عالم غَرْثانُ إِلى عِلْم“.

والأُنثى غَرْثَى وغَرْثانة والجمع: غِراثٌ. وفي شعر حسان بن ثابت «رضي الله عنه» يمدح أم المؤمنين عائشة «رضي الله عنها»:

حَصانٌ رَزانٌ ما تُزِنُّ بِريبَةٍ... وَتُصبِحُ غَرثى مِن لُحومِ الغَوافِلِ

والغَرَثُ: أَيْسَرُ الجوع؛ وقيل: شِدَّتُه، وقيل: هو الجوعُ عامَّةً.

وقال أبو خَثْمة يَذُمُّ الزَّبِيبَ: ”إِن أَكلتُه غَرِثْتُ“؛ وفي رواية: ”وإِن أَتْرُكْه أَغْرَثْ“ أَي أَجوعُ، يعني أَنه لا يَعْصِمُ من الجُوعِ عِصْمَةَ التَّمْر.

والتَّغْريثُ: التَّجْويع. وغَرَّثَه: جَوَّعَه، يقال: غَرَّثَ كلابَه، جَوَّعَها.

وامرأَةٌ غَرْثى الوِشاح: خَميصةُ البَطْن، دقيقةُ الخَصْر. ووشاحٌ غَرثان: لا يملأُه الخَصْرُ، ووُشْحٌ غَراثى، جمع وشاح.

وفي حديث علي، رضي الله تعالى عنه: ”أَبيتُ مِبْطانًا، وحَوْلي غَرْثى“ [1] .

الحديث ومناسبته

حين بلغ الإمام علي بن أبي طالب أن عامله على البصرة، عثمان بن حنيف الأنصاري قبل دعوة إلى وليمة ومضى إليها، أرسل إليه كتابًا [2] ، جاء فيه: ”أما بعد يا ابن حنيف فقد بلغني أن رجلا من فتية أهل البصرة دعاك إلى مأدبة فأسرعت إليها تستطاب لك الألوان وتنقل إليك الجفان، وما ظننت أنك تجيب إلى طعام قوم عائلهم مجفو وغنيهم مدعو. [...] ألا وإن لكل مأموم إماما يقتدى به ويستضئ بنور علمه، ألا وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، ومن طعمه بقرصيه. ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك. [...] ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل ولباب هذا القمح ونسائج هذا القز، [...] ولكن هيهات أن يغلبني هواي ويقودني جشعي إلى تخير الأطعمة. ولعلّ بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص ولا عهد له بالشبع، أو أبيت مبطانا وحولي بطون غرثى وأكباد حرى، أو أكون كما قال القائل:

وحسبك داء أن تبيت ببِطْنَةٍ.... وحولك أكبادٌ تَحِنُّ إلى القِدِّ

أأقنع من نفسي بأن يقال أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر، أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش. فما خلقت ليشغلني أكل الطيبات كالبهيمة المربوطة همها علفها، أو المرسلة شغلها تَقَمُّمُهَا، تَكترِش من أعلافها وتلهو عما يراد بها. أو أترك سدًى أو أهمل عابثًا، أو أجر حبل الضلالة، أو أعتسف طريق المتاهة“.

في هذه الرسالة التوبيخية: يُذَكِّر الإمام ولاته من خلال أحدهم أن من يعتبر نفسه ممثلًا لعلي فإن علي قد اكتفى من الدنيا بقدر الكفاف ولم يدخّر لنفسه ثروة ومالًا من زخارف الدنيا، ويؤكد على أن عزوفه عن الدنيا ليس بسبب عدم قدرته على التوصل إلى‌ نعمها المادية، بل بسبب مسؤوليّته التي تستوجب أن يشارك الناس الضعفاء في صعوبات الحياة ومشاكلها.

والجملة المبتدأة ب ”ولعل“ إلى آخرها، حاليَّة عمل فيها تخير الأطعمة، أي هيهات أن أتخيرها لنفسي والحال أنه قد يكون في الأمة مَنْ لا يجد رغيفًا، ولا يطمع في وجوده لشدة فقره، فلا يعرف الشبع، فلا يمكنني، ولا ينبغي مِنِّي، أن أنام أنا «راعي الرعيَّة» في بيتي ممتلئ البطن والحال أن حولي بطونًا جائعة وأكبادًا عطشانة.


[1]  انظر: لسان العرب، لابن منظور «بطن، غرث».

[2]  خطبة رقم 54، في نهج البلاغة، خطب الإمام علي ، ج 3، ص 70-72. وعثمان بن حنيف كان من أعلام الصحابة «رضي الله عنهم»، وشارك في المعارك الإسلامية، وشهد أحدًا والمشاهد بعدها مع النبي ﷺ. كان له رأي ثاقب، ومعرفة كاملة بالأمور، فولَّاه عمر بن الخطاب «رضي الله عنه» خراج سواد العراق، ثم عيّنه الإمام علي واليًّا على البصرة لأهميّتها الاستراتيجية.
تاروت - القطيف