فائدة لغوية «60»: ”الكينونة“
الكينونة من الفعل كان: كان الشَّيء كونا وكيانا وكينونة حدث فهو كائن والمفعول مكوّن.
الكَوْنُ: الحَدَثُ، يكونُ من النّاس، وقد يكونُ مصدرًا من كانَ يكُونُ، كقولهم: نَعُوذُ بالله من الحَوْرِ بَعْدَ الكَوْنِ أي نَعُوذُ بالله مِن رُجُوعٍ بَعْدَ أن كان؛ ومِنْ نَقْصٍ بعد كَوْنٍ قال: والكائنة أيضاً: الأمْرُ الحادِثُ. والكَيْنُونَةُ: مصدر كان يكونَ: أَحْسَنُ «معجم العين للخليل الفراهيدي». وفي ”ديوان الأدب“ «الفارابي» الكَوْنُ: الكَيْنونةُ، الكَوْنُ: الحادثُ يكونُ بين القومِ. وفي ”المحكم الأعظم“ «ابن سيده» الكَون: الْحَدث. وَقد كَانَ كَوْنا، وكَيْنُونة، عَن اللحياني وكراع. ويبين ابن القطاع «أفعال ابن القطاع»: وكَانَ الشيءُ كَوْناً وكَينونة حدث والأمر قُدر وأيضًا لم يَزَل. وفي القاموس المحيط «الفيروزآبادي» الكَوْنُ: الحَدَثُ، كالكَيْنونَةِ. والكائنَةُ: الحادِثَةُ. وكَوَّنَهُ: أحْدَثَهُ، وكون اللُّه الأشْياءَ: أوْجَدَها.
وفي وقتنا الحاضر كينونة، كما يذكر أحمد مختار عمر في ”المعجم المعاصر“ يراد بها:
- أصل، طبيعة «يعمل على اختزال كينونة الموضوع وتجاهل ذاتيَّته».
- وجود، كِيان، من الفلسفة والتصوف، «التحالف الغربيّ الصهيونيّ يمسّ كينونة الأمّة العربيَّة وهُوَيّتها».
جاء في تهذيب اللغة للأزهري قال الفرّاء: العربُ تقول في ذَوَات اليَاءِ مِمَّا يُشْبِهُ: زِغْتُ، وسِرْتُ وطِرْتُ طَيْرُورةً، وحِدْتُ حَيْدُودةً، فيما لا يُحْصَى من هذا الضَّرْبِ، فأَمّا ذَوَاتُ الواوِ مثل: قُلْتُ، ورُضْتُ، فإنهم لا يقولونَ ذلك، وقد جاءَ عنهم في أَرْبَعَةِ أَحْرُفٍ، منها: الكَيْنُونَةُ من كُنْتُ، والدَّيْمُومَةُ من دُمْتُ، والهَيعُوعَةُ من الهُوَاعِ، والسَّيْدُودَةِ من سُدْتُ، وكانَ ينبغي أن يكونَ، كَوْنُونةً، ولكنها لما قَلّتْ في مصادر الواو، وكثرت في مصادر اليَاءِ ألحقوها بالذي هو أكثر مجيئًا منها إذا كانت الواو والياء متقارِبَي المَخْرَجِ، قال: كانَ الخليل يقولُ: كَيْنُونَةٌ: فَيْعُولةٌ، هي في الأصْلِ: كَيْوَنُونَةٌ، الْتَقَتْ منها ياءٌ وَوَاوٌ، والأولى منهما ساكِنَةٌ فَصُيِّرَتَا ياءً مُشَدَّدَةً، مثل ما قالُوا الهَيِّنُ من هُنْتُ ثم خَفَّفُوها فقالُوا: كَيْنُونة، كما قالوا هَيْنٌ لين. وقد ذكر الجوهري في «الصِّحاح» وتقول: كانَ كَوْناً وكَيْنونَةً أيضا، شبهوه بالحيدودة والطيرورة من ذوات الياء.
ولم يجئ من الواو على هذا إلا أحرف: كينونة، وهيعوعة، وديمومة، وقيدودة. وأصله كينونة بتشديد الياء فحذفوا كما حذفوا من هين وميت ولولا ذلك لقالوا كونونة. ثم إنه ليس في الكلام فعلول. وأما الحيدودة فأصله فعلولة بفتح العين فسكنت.
في تأثيل «تأصيل» ”كينونة“ أجد مقاربة ابن فارس في «معجم مقاييس اللغة» جديرة بالذكر لإضافة إضاءات على مفهوم الكينونة.
يقول ابن فارس في كون: كون، الكاف والواو والنون أصلٌ يدلُّ على الإخبار عن حدوث شيء، إمَّا في زمانٍ ماضٍ أو زمان راهن. يقولون: كان الشيءُ يكونُ كَوناً، إذا وقَعَ وحضر. فأمّا الكِينة، في قولهم: بات فُلانٌ بكِينةِ سَوْءٍ، أي بحال سوء، فأصله الكَوْن؛ فِعلَة من الكون. وهنا يحضر قول الطرماح:
عَيْنَاكَ غَرْبَا شَنَّةٍ أرْسَلَتْ.... أرواقَها منْ كينِ أخصامِها.
ويقول في «كن»: كن، الكاف والنون أصلٌ واحدٌ يدلُّ على سَتْرٍ أو صون. يقال كنَنْتُ الشيءَ في كِنِّهِ، إذا جعلتَه فيه وصُنتَه. وأكننتُ الشّيءَ: أخفيتُه.
. ومن الباب الكُنَّة، كالجناح يُخرِجه الرّجل من حائطِهِ، وهو كالسُّتْرة. ومن الباب الكانون، لأنَّه يستُر ما تحتَه. وربما سمَّوا الرَّجُلَ الثقيلَ كانونًا. قال الحطيئة:
أغِرْبالاً إذا استُودِعْتِ سِرًا.... وكانونًا على المتحدِّثينا[1]