فائدة لغوية «35»: ”بلى“ أم ”نعم“؟
كثير منَّا لا يفرق بين ”بلى“ و”نعم“ في الاستعمال، لكن هذا كان حال القدماء أيضًا. يقول القاسم بن علي الحريري «صاحب المقامات المشهورة، المتوفي: 516 هـ »، أنَّ ”[العامة] لا يفرقون بين معنى نعم ومعنى بلى“ «درة الغواص في أوهام الخواص، ص: 190، طبعة مكتبة المثنى، بغداد، العراق، د. ت» [1]
بَلَى، في معجم المعاني، حَرْفُ جوابٍ لِلتَّصْديقِ يَقَعُ بَعْدَ لا النَّافِيَةِ فَيَجْعَلُهُ إِثْباتًا، كما في قوله تعالى: ﴿زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لتُبْعَثُنَّ﴾ «التغابن: 7»، وَتَأْتِي جَوَابًا لِلاسْتِفْهامِ الْمَقْرونِ بِنَفْيٍ، كما في قوله تعالى: ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلَى﴾ «الأعراف: 172».
وفي المعجم الوسيط: ”بلى“ حرف جواب، يجاب به النفي خاصة، ويفيد إبطاله، سواء أَكان هذا النفي مع استفهام أم دُونه، واستشهد بالآيتين المذكورتين وبآية: ﴿أَلمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُوا: بَلَى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ﴾ «الملك: 8».
معنى هذا الكلام أنَّ ”بلى“ يُجاب بها عن سؤال منفيٍّ فيُبْطِل نَفْيَه، كنحو أنْ تُسأَل وقد نجحتَ: «أما نجحتَ؟» فتجيب: «بلى»، والمعنى: بلى نجحتُ. ولو قلتَ: «نعم»، لكان المعنى: نعم ما نجحتُ!! وذلك لأنّها لا تُبطِل النفي، بل تُثبِته فيظلّ المنفي منفيًّا. وقد جاء في ”تقويم اللسان“، لجمال الدين أبو الفرج عبدالرحمن الجوزي «ت: 597 هـ » عن الفرق بين ”بلى“ و”نعم“: ”وتقول في جواب الاستفهام بالنفي:“ بلى ”، إذا أردت إثباته، و“ نَعَمْ ”إذا أقررت على نفيه، مثاله: أن يقال لك: أما تقومُ فتقول:“ بلى ”إذا أردت إثبات القيام، وتقول:“ نعم ”إذا أردت نفيه، أي ما أقوم“ «ص: 83».
يحكى أنَّ أبا بكر بن الأنباري «النحوي المشهور، ت: 328 هـ » حضر مع جماعة من العدول ليشهدوا على إقرار رجل، فقال أحدهم للمشهود عليه: ألا نشهد عليك؟ فقال: نعم، فشهد عليه الجماعة، وامتنع ابن الأنباري، وقال: إن الرجل منع أن يشهد عليه بقوله: نعم؛ لأن تقدير جوابه: ”لا تشهدوا علي“، لأن حكم ”نعم“ أن يرفع الاستفهام، ولهذا قال ابن عباس في قوله تعالى: ﴿ألست بربكم قالوا بلى﴾ [الأعراف: 172]، ولو أنهم قالوا: ”نعم“ لكفروا، لأن حكم ”نعم“ أن يرفع الاستفهام، فلو قالوا: ”نعم“، لكان التقدير: نعم لست ربنا، وهذا كفر، وإنما دل على إيمانهم قولهم: ”بلى“، لأن معناها يدل على رفع النفي، فكأنهم قالوا: ”أنت ربنا“ «نزهة الألباء في طبقات الأدباء، أبو البركات عبد الرحمن الأنباري، «المتوفى: 577 هـ ، تح: د. إبراهيم السامرائي، مكتبة المنار، الزرقاء، الأردن، ط3,1405 هـ ، ج: 1، ص: 202».