فائدة لغوية «14»: مُثَنَيَّاتٌ ذَاتَ أَلْوَان
فائدة لغوية «14»: مُثَنَيَّاتٌ ذَاتَ أَلْوَان[1]
التَّثنية هي «ﺿﻢ اﺳﻢ إﻟﻰ اسم مثله»، وهي صيغة مبنية للدلالة على الاثنين، واشتقاقها ﻣﻦ ﺛﻨﻲ اﻟﺸﻲء أي جعله اثنين، واﻟﻤﺜﻨﻰ اﺳﻢ ﻣﻔﻌﻮل، ﻣﻦ ثنى، يثني. وﻗﺪ وضع اﻟﻌﺮب من هذه الصيغة اﺳﻤﺎ ﻟﻠﻌﺪد اﻟﺬي هو ﺿﻌﻒ اﻟﻮاﺣﺪ، ﻓﻘﺎﻟﻮا: اﺛﻨﺎن واﻟﻤﺆﻧﺚ اﺛﻨﺘﺎن. واﻟﻤﺜﻨﻰ ﻓﻲ اﻟﻤﺼﻄﻠﺢ اﻟﻨﺤﻮي: «ﻛﻞ اﺳﻢ ﻣﻌﺮب دل ﻋﻠﻰ اثنين أو اثنتين، بزيادة ﻓﻲ آخره، ﺻﺎﻟﺢ للتجريد منها مع عطفه ﻋﻠﻰ مثله»، وﻗﺪ وﺿﻌﺖ اﻟﻌﺮب للتثنية صيغة ﺗﺘﻤﺜﻞ ﻓﻲ: «زيادة أﻟﻒ وﻧﻮن إﻟﻰ اﻟﻤﻔﺮد ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺮﻓﻊ وياء وﻧﻮن ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺠﺮ واﻟﻨﺼﺐ». وقد استوقفتني ظاهرة في عملية التثنية في اللغة العربية وهي «ضم اسم إلى اسم ليس مثله»، مع بقاء الصيغة النحوية «زيادة الألف والنون والياء والنون حسب الحالة الإعرابية»، وهذه الأسماء تعرف ب ”الثُّنَائِيَّات“ و”المُثَنَّيَات“.
الثُّنَائِّيَاتُ في اللغة العربية، وتعرف بالمثنيَّات، هي مصطلحات أطلقها العرب على أشياء مترابطة في معنىً ما تعبر عنها؛ الكلمة تجمع اسمين متلازمين أو بينهما وجه شبه، وليس لها مفرد أو جمع[2] . تنقسم المُثَنَّيَات العربية إلى نوعين: ”تلقيني“، و”تغليبي“؛ فالتلقيني هو ما إذا أُفرد لم يفد المعنى الموضوع له في التثنيَّة، فلا يصح إطلاقه على أحد المسميين، على سبيل المثال ”الجديدان“ «أي الليل والنهار»، و”الثَّقَلان“ «الإنس والجن»، أمّا التغليبي فهو إذا ما أُفرد صحّ إطلاقه على المتغلب من الإثنين، ومن هذه المثنيَّات: الأبوان «الأب والأم»، ”القمران“ «الشمس والقمر، وهما الأزهران، أيضًا»، ”الحسنان“ «الحسن والحسين» إبنا علي بن أبي طالب، وسبطا رسول الله ﷺ. قد يغلب الاسم الأخف نطقًا كما في ”العُمَرين“ «عمر بن الخطّاب وأبي بكر، رضي الله عنهما»، وقد يغلب المؤنث في التّثنية، على سبيل المثال ”المروَتان“ ويُقصد بهما «الصّفا والمروة». وفيما يلي عرض لبعض الثنائيات التي اختصت باللون مع ذكر معانيها، على أمل ذكر ثنيائيات مختلفة في فوائد قادمة، أو مقال منفرد بها.
الأبيضان: اللبن والماء، وقيل الشحم والشباب، ومنه القول: ”اجتمع للمرأة الأبيضان“، وقيل الماء والخبز[3] .
لكن اللبن والماء يؤيده قول هذيل الأشجعي، من شعراء الحجاز «لسان العرب»:
ولكنه يأتي إلى الحول كاملًا... وما ليَ إلا الأبيضينِ شَرابُ[4]
الأحمران: الخمرُ واللحم، ومنه القول: ”وأهلك الرجالَ الأحْمَرَان“.
الأخضران: العشب والشجر، أو العنب والشجر، وقيل البحر والليل.
الأزرقان: الماء والسماء، البحر والسماء.
الأسمران: القمح والماء، وقيل الرمح والماء.
الأسودان: الحية والعقرب، الحَرَّة والليل، التمر والماء، وهو الأشهر لحديث أم المؤمنين عائشة «رضي الله عنها»، وهو على التغليب وإلا فالماء لا لون له «كحاله في ”الأبيضين“ اللبن والماء، أعلاه»، وأطلقت على التمر الأسود لأنه غالب تمر المدينة. يروي ابن السكيت في المخصص: ضافَ قومٌ مُزَبِّدًا المَدَنِيَّ فَقَالَ لَهُم: ”مَا لكم عِنْدِي إلا الأَسْوَدان“، قَالُوا: ”إِن فِي ذَلِك لمَقْنَعًا التّمر وَالْمَاء“، قَالَ: ”مَاذَا كُم عَنَيْتُ، إِنَّمَا أردتُ الحَرَّة وَاللَّيْل“.
الأصفران: الذهب والزعفران، ومنه قيل: ”أهْلَكَ النِّسَاءَ الأصْفَرَان“، وقيل الوَرْس والزعفران[5] .
وفي الختام، المثنيات، إضافة إلى قيمتها اللغويَّة، وفوائدها الجمالية والترفيهية، فهي تشير إلى، إن لم تؤكد، صورًا من الثقافة العربية. على سبيل المثال، المثنيات السبعة المذكورة في هذا المقال تشير إلى أن في ثقافة العرب ستة ألوان أساسية بعد إضافة ”الأزرق إلى الخمسة الأساسية «الأبيض - الأحمر - الأخضر - والأسود - الأصفر»، وهي الألوان التي ذكرت في القرآن الكريم. يقول الدكتور أحمد مختار عمر: ”وقد خضعت اللغة العربية في تاريخها الطويل لتطورات تتعلق بألفاظ ألوانها الأساسية فكانت أولًا خمسة ألفاظ هي: الأبيض والأسود والأحمر والأصفر والأخضر. ثم أصبحت تسعة؛ السابقة بالإضافة إلى الأزرق والأدكن «البني» والأرمد «الرمادي» والأسمر. وزادت كثيرًا في العصر الحديث حتى شملت ألفاظًا مثل البرتقالي والأرجواني”[6] . لكن الجدير بالذكر هو أن الشعراء العرب في الجاهلية وبعدها، كعنترة بن شداد والبهاء زهير والشاب الظريف وغيرهم، تغنوا بالسُمر والسَّمراء والسوداء، وهو ما يشير إلى أن اللون الأسمر كان موجودًا ومتأصلًا في الثقافة العربية ثم الإسلامية، فعليه أن مثنى “الأسمران“ حَمَلَ اللون السابع مع الستة الأصليين الذي ذكروا في القرآن، فجاءت مثنيَّات الألوان بهذه السَّبْعَة فقط حسب اطلاعي وبحثي حتى لحظة كتابة هذه السطور.