فائدة لغوية «54»: النخلة.. لغةً ودلالات
”النخلة“ اسم لشجرة كريمة ذكرت في الشعر العربي قبل الإسلام وفي القرآن الكريم والسنة النبويّة، لذلك لها أهمية خاصة عند العرب والمسلمين، لذا يتغنى بها الشعراء العرب المعاصرون، وقد ألفت فيها كتب ومعاجم، وأسست مراكز بحث بشأنها وباسمها. النخلة ”كريمة الشجر“ لأنّ كل شيءٍ فيها نافع. يقول عنها داود الأنطاكي في ”التذكرة“: مِن أهمّ النباتات فائدة للإنسان، وثمرها غذاء كامل وسهل الهضم[1] .
النخلة: هي شجرة التمر، وجمعها نخل ونخيل، ونخلات. والنخل: التصفية. والانتخال: الاختيار لنفسك أفضله وهو التنخّل أيضًا. وإذا نخلت أشياء لتستقصي أفضلها قلت: نخلت وانتخلت «معجم العين، الخليل الفراهيدي». ومثل الخليل، يقول أحمد بن فارس في «مقاييس اللغة» عن الانتخال، إلَّا إنَّه يضيف: ”وعندنا أن النخل سُمّيّ به لأنّه أشرف كلّ شجر ذي ساق، الواحدة نخلة“. وفي تحقيق المصطفوي، الأصل في مادة ”نخل“ هو شجرة التمر. والنخل اسم جنس كالتمر، وإذا أريد الواحد زيدت التاء في آخره، وهو في الإفراد والجمع مثل ”تمر وتمرة وتمرات“، أي نخل ونخلة ونخلات[2] .
أكثر المعجمين العرب يرون أن النَّخْلُ والنَّخِيلُ بمعنى «واحد»، والواحدة نخلة «مختار الصحاح، المعجم الوسيط»، وهناك من يرى فرقًا في المعنى، خاصة في الاستعمال القرآني، وذلك أن ”نخل“ اسم الجمع لشجرة التمر، بينما ”نخيل“ تعني كل الأشجار المثمرة العاليّة. لكن الدكتور فاضل السامرائي، في كتابه «بلاغة الكلمة في التعبير القرآني»، يرى أن النخل أعم وأشمل من النخيل، لأنه اسم جنس جمعي، وهذا ما قرره علماء اللغة، ويؤيده الاستعمال القرآني. «في نقاش الدكتور تفصيل ماتع نافع في الفرق بين المفردتين، لمن يهمّه ذلك.»
وأمّا بخصوص مفهوم الغربلة والانتقاء في مادة ”نخل“، فيقول عنه الشيخ المصطفوي بأنه مأخوذ من اللغة السريانيّة. وبهذا يظهر أنّ النُّخل، بضمّ الميم، مأخوذ من ”مخولتا“ السريانيّة «غربال»، وليس جاريًّا على ضوابط العربيّة في اسم الآلة حتّى يعدّ من النوادر، إضافة إلى وجود تناسب بين الانتقاء وشجرة النخل [كما في مقاييس اللغة أعلاه]، فإنّها منتقاة من بين الأشجار بسبب خصوصيّات فيها ممتازة من غيرها، ولا سيّما في أراضي الحجاز والعراق من بلاد العرب[3] .
ورد ذكر النخلة، كما أشرت في المقدمة، في الشعر العربي الجاهلي وفي القرآن الكريم. والآية القرآنية: ﴿وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ﴾ [طه: 71] يُستدلّ بها على وجود شجر التمر «النخل» في مصر زمان فرعون وموسى حين أسلم السحرة[4] . وفي ”إحياء التذكرة“ «ص 165»، النخيل معروف في مصر من عهد قدماء المصريّين [5] .
أمّا الآية: ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا﴾ «مريم: 25» فتشير إلى وجود النخلة زمان ولادة المسيح ، وقد كان بين موسى بن عمران وعيسى بن مريم ألف وسبعمائة سنة. والمعلوم أنّ القرآن لم يحدد موقع ولادة المسيح، وقد تضاربت أقوال الأخباريين والمفسرين في ذلك، لكنها تشترك في أن ولادته حدثت في المنطقة العربية. والقول المشهور فيها أنه وُلد في أرض فلسطين، وهو القول الذي تعتمده الكنائس المسيحية المعاصرة التي يحرص أتباعها على زيارة مدينة بيت لحم بفلسطين حيث وُلِد بحسب اعتقادهم، وهذا القول هو المعتمد عند المسلمين أيضًا، حسب استقصائي السريع.
يقال أن النخلة وجدت في الحضارات الأولى القديمة قبل 5000 سنة على الأقل، حيث أفادت النقوش السومريّة أن النخلة كانت موجودة، بل و”مُقدَّسة“، في العهد السومري البابلي. والاسم البابلي للنخل هو ”جشمارو“ «Jishimmaru» مأخوذ من الكلمة السومريّة ”جشمار“ «Jishimmar»، والنخل في ”الآراميّة“ دقلة «Diqla»، وفي العبريّة ”تامار“ «Tamar»، وفي الحبشية ”تَمَرْة“ «Tamart». أمَّا ”التمر“ في السومريّة فاسمه ”زولوما“ «Zulumma» ومنها الكلمة البابليّة ”سولبو“ «Suluppu». وتصف المصادر المسماريّة أكثر من سبعين صنفٍ من تمر النخل، وبعضها بأسماء أماكنها، منها: ”تمر تلمون“ «أي دلمون، وهي البحرين»، و”تمر مجان“ «أي عُمَان» [6] .