فائدة لغوية: «11» ”قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَه“
في قوله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ﴿قُتِلَ الْإنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ﴾ [عبس: 17]، أربع مفردات:
1 - ”قُتِلَ“: للمبنى المجهول مِنْ ”قَتَلَ“، وهنا ليست بمعنى القتل، الذي هو ”نقض بنية الحياة“ «مفردات القرآن في مجمع البيان لإلياس كلانتري» [1] ، بل دعاء عليه «جامع الجوامع للفضل بن الحسن الطبرسي، ج2، ص 712» [2] ، بمعنى ”لُعِنَ“، فالغرض منه الدعاء بالطرد من رحمة الله، والغرض من ذلك استنكار ما يعمله «معجم ألفاظ القرآن الكريم لمجمع اللغة العربية في القاهرة، ج2، ص340». وقد جاءت هذه الصيغة بهذا المعنى في آيات أخرى:
- ﴿قُتِلَ الخَرَّاصُون﴾ [الذاريات: 10]، وهم الكَذَّابُون، والخَرْص في الأصل هو الظَّن، ويقال لِمَنْ يُكْثِرُ منه ”خرَّاص“، والجمع ”خرَّاصون“. ويستعمل في الكِذْب، وما جاء في القرآن هو على المعنى الثاني، و”قُتِلَ“ هنا هي دعاء عليهم بالبعد من رحمة الله، واستنكار ضمني لعملهم. «معجم ألفاظ القرآن الكريم لمجمع اللغة العربية في القاهرة، ج2، ص 343»
- ﴿فَقُتِلَ كيف قدَّر ثم قُتِلَ كيف قدَّر﴾ [المدثر: 19 -20]، ”أي تعجيبٌ من تقديره، أو ثناءٌ عليه على طريقة الاستهزاء به. يقول القائل: قتله الله ما أشجعه، وقاتله الله ما أشعره، ومعناه أنه حقيق بأن يحسد ويدعو عليه حاسده“ «جامع الجوامع للطبرسي، ج2، ص 677». و”قاتله الله“ جاءت أيضًا في القرآن، كما في آية: ﴿قَاتَلَهَمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونْ﴾ [المنافقون: 4]، أي دعاء عليهم وطلب من ذاته أن يلعنهم ويخزيهم، أو تعليم للمؤمنين أن يدعوا عليهم «جامع الجوامع للفضل بن الحسن الطبرسي، ج2، ص 611»
2 - ”الْإِنسَان“: الواحد من جنس بني آدم، أي البشر، ويطلق على كل من الذكر والأنثى. «معجم ألفاظ القرآن الكريم لمجمع اللغة العربية في القاهرة، ج 1، ص 63»
وقيل ”الكافر“، حين يكفر، وسيأتي المعنى في الحديث عن ”أكفره“ أدناه. وروى الأعمش عن مجاهد: ”إنما عني به الكافر“ «تفسير القرطبي» [3] .
وقيل: هو عتبة بن أبي لهب. عن ابن عباس «رضي الله عنه» قال: ”نزلت في عتبة بن أبي لهب، وكان قد آمن، فلما نزلت «والنجم» ارتد، وقال: آمنت بالقرآن كله إلا النجم، فأنزل الله «جل ثناؤه فيه» «قتل الإنسان»“ «تفسير القرطبي» [4] ، وعليه المراد ب ”الإنسان“ في الآية هو عتبة بن أبي لهب حين كفر بالقرآن.
3 - ”مَا“: ولها تفسيران هنا:
- إمّا هي استفهامية «سؤال»، كما في ”ما رأيك؟“، و”ما الذي منعك؟“، وأمثلتها في القرآن الكريم كثيرة، على سبيل المثال: ﴿إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي﴾ [البقرة: 133].
- أو تعجبيَّة، كما في ”ما أكرمك!“، و”ما الطف الجو هذا اليوم!“، وأمثلتها في القرآن الكريم كثيرة، على سبيل المثال: ﴿فما أصبرهم على النار﴾ [البقرة: 175].
4 - ”أَكْفَرَه“، مِنْ كَفَر يَكْفُر، كُفْر، وهو كافر. والكفر على معانٍ ثلاث: عدم الإيمان، عدم الشكر «الكفران»، الجحود، أي جحود الحق وستره بأي غطاء كان «مختصر الأمثل في تفسير كتاب الله، ناصر مكارم الشيرازي ج4، ص277». فإن كانت ”ما“ استفهامية ف ”أَكَفَر“ تكون بمعنى ”جَعَلَهُ يَكْفُر“، والهاء ضمير متصل يعود على الإنسان الذي سبق ذكره في الآية؛ وعليه تكون ”ما أكفره“ سؤال: أي شيء جعله يكفر؟ وهو استفهام توبيخي؛ ما الذي يجعل ”الإنسان“ يجحد النعمة، مع معرفته بكثرة إحسان الله إليه، أو ما الذي جعل عتبة بن أبي لهب «حسب سبب نزول الآية» يرتد «يرجع عن اسلامه» بعد معرفة الحقّ؟
وإن كانت ”مَا“ تعجبيَّة: فمعنى ”مَا أَكْفَرَه“ يكون ”مَا أَشَدَّ كُفْرَهُ“! وعادة العرب، كما ذكر آنفًا، إذا تعجبوا من شيء قالوا: ”قاتله الله ما أحسنه“! و”أخزاه الله ما أظلمه“! والمعنى: عجبًا لهذا ”الإنسان“، المقصود في الآية، أن يجحد مع معرفته بكثرة إحسان الله إليه، يقول الطبرسي فيه: ”تعجبٌ من إفراطه في كفران نعم الله“ «جامع الجوامع للفضل بن الحسن الطبرسي، ج2، ص712»، أو عجبًا لعتبة بن أبي لهب «حسب سبب نزول الآية» أن يعود لكفره السابق، وهذا تعبير عن استعظام الأمر، فعلًا وصفةً.