فائدة لغوية «34»: ”الأثرة والإِيثار“
”الإيثَار“ مفهوم يقابل ”الأَثَرَة“. وأَثَرَةُ العِلْم: بقية منه تُؤْثَر. والأثرة: الأنانيّة، وهي تفضيل الإنسان نفسه على غيره، وفي العرف الشرعي هي حب النفس والانفراد بالشيء عمن له حق فيه، كما جاء في الحديث الشريف: ”سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً“ [1] . وفي علم النفس، الأثرة يراد بها الأنانيَّة وحُبّ النَّفس المفرط، وتطلق على ما لا يهدف إلاّ إلى النفع الخاصّ «الذاتي»، عكسها الإيثار. والإيثَار لغةً: مصدر آثر يُؤْثِر إيثَارًا، بمعنى التَّقديم والاختيار والاختصاص، فآثره إيثارًا اختاره وفضله، ويقال: آثره على نفسه، وآثره بالشيء خصه به «المعجم الوسيط: أثر». والإيثَار اصطلاحًا: ”أن يقدِّم غيره على نفسه في النَّفع له، والدَّفع عنه، وهو النِّهاية في الأخوة“ «التعريفات للجرجاني 59». وقال ابن مسكويه: ”الإيثار: هو فضيلة للنَّفس بها يكفُّ الإنسان عن بعض حاجاته التي تخصُّه حتى يبذله لمن يستحقُّه“ «تهذيب الأخلاق، المنسوب للجاحظ ص 19».
اَلْإِيثَارُ فِي اَلْإِسْلَام هو تفضيل الغير على النفس، وتقديم مصلحتهِ علَى المصلحة الذاتية، وهو أَعلى درجات البذل والعطاء، وهو الذي ذكر في القرآن الكريم كوصف حميد «مدح» للأنصار «رضي الله عنهم»: ﴿ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة﴾ «الحشر: 9». والخصاصة: الحاجة والعوز إلى ما يؤثرون به. أي أنهم يؤثرون المهاجرين ويقدمونهم على أنفسهم بأموالهم ومنازلهم ولو كان بهم فقر وحاجة، فإيثارهم لم يكن عن غنًى عن المال ولكن كان عن حاجة، فيكون ذلك أعظم لأجرهم وثوابهم عند الله. «مجمع البيان، للطبرسي، ج 9، ص 433-437» [2] . وفي تفسير الميزان للطباطائي: ”فالكلام في معنى الإضراب كأنه قيل: إنهم لا يطمحون النظر فيما بأيدي المهاجرين بل يقدمونهم على أنفسهم فيما بأيديهم أنفسهم في عين الفقر والحاجة“ «ج 19، ص 180-187». ويقول الشيخ محمد جواد مغنية «رحمه الله»: ”والإيثار على النفس مع الحاجة لا يعادله شيء إلا التضحيَّة بالنفس“ «تفسير الكاشف، ج7، ص290-292».
ولعلَّ من هذين البعدين جاءت ”الأثرة“ بمعنى ”المَنْزِلة“ أيضًا، فيقال: هو ذو أثَرة عندي. فلا يكون الإيثار إلا حين تكون الأثرة الإيجابية وزوال البعد السلبي لها من النفس. فلهذا يبدو أن الإيثار مرتبط ببذل ما تحبه النفس وتهواه أيضًا. وهذا ما أشارت له الآية ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ «آل عمران: 92»، أي: لن تدركوا بر الله تعالى بأهل طاعته حتى تنفقوا ما تحبون من نفائس أموالكم، دون أرذالها[3] . وقد روي عن أبي الطفيل أنه قال: اشترى علي ثوبًا فأعجبه، فتصدق به، وقال: سمعت رسول الله «صلَّ الله عليه وآله وسلم» يقول: ”من آثر على نفسه آثره الله يوم القيامة بالجنة، ومن أحب شيئا فجعله لله قال الله تعالى يوم القيامة: قد كان العباد يكافؤون فيما بينهم بالمعروف، وأنا أكافيك اليوم بالجنة“ «مجمع البيان، الطبرسي، ج2، ص342-343». ويؤكد الشيخ محمد جواد مغنية «رحمه الله» في هذه الآية ميزة على كل آية وردت في ”الإنفاق“، ”لأنها لم تأمر بالإنفاق وكفى، كغيرها من الآيات، بل ربطت بين نيل الإنسان الدرجات العلى عند اللَّه سبحانه، وبين إقدامه على التضحية بما يحب، فالعبادة المجردة عن التضحية لا تقرّب من اللَّه بموجب دلالة هذه الآية، وكذا سائر الأعمال إلا أن ينطبق عليها نوع من الفداء والتضحية في سبيل اللَّه“ «تفسير الكاشف، ج2، ص107-109».
ومن الإيثار طور علماء الأخلاق ”الإيثاريّة“: وهي مذهب أخلاقي يعارض ”الأَثَرَة“، ويرمي إِلى تفضيل خير الآخرين على الخير الشخصيّ[4] .