تنبؤات درامية أم سينما متواطئة «45»
منذ قرن وربع القرن اخترعت السينما، ذلك العالم السحري الآسر والجاذب للعقول والعيون، حشود تصطف لرؤية أحدث الأفلام، تتدافع عند الشباك التذاكر، وبشوق تلج قاعة السينما فتنتقل لعالم آخر، ومع تذكرة العودة للبدايات يحلو الكلام.
إن تاريخ السينما حافل بالدهشة وروعة الاكتشاف، لحظات جذلى لانبثاق الرؤى وتحقيق الطموح، امتزاج خيال بواقع مرئي وتجريب مضن بعلم وعمل، أسفر عن ديناميكية لعبة الضوء والظل والصوت، حراك شرائط «أفلام» سبرت أغوار النفس وانعكاسات الحياة قدمت رسائل فن وقمم إبداع.
يطلق على السينما ”الفن السابع“، لأنها جمعت الفنون الستة المعروفة، وهي بحسب حضارة الإغريق «العمارة والموسيقى والرسم والنحت والشعر والرقص»، لقد شكل اختراع السينما منعطفا تاريخيا في مسيرة الفنون، فقد قسم تاريخ الفن إلى مرحلتين قبل وبعد ظهور السينما، وجاء إطلاق تسمية ”الفن السابع“ من الناقدين الفنيين الفرنسي ”آيتين سوريو“ والإيطالي ”ريتشيوتو كامودو“ ويقال الأخير هو الأسبق في التسمية وهما يؤكدان بأن الفنون لها ترتيب زمني، وذهب الناقد الإيطالي بإطلاق التسمية حيث رأى ”أن الفن السينمائي ناتج عن تآلف ستة أنواع من الفنون فهذه تسمى الكورال سداسي الإيقاع، وقد جاءت السينما لتجمع تلك الفنون، وتخلق منهم صورة سابعة مغايرة لصورة كل عنصر من الستة منفردا“، فنون توحدت في فن واحد، ظهر للعالم نهاية القرن التاسع عشر، فن جديد برقم مضاف عرف بالفن السابع.
تشير المصادر بأن المخترع الأساسي للسينما هو البريطاني ”وليام فريز“ 1891، ثم تطور اكتشافه عبر شركة أديسون في الولايات المتحدة الأمريكية، أما لحظة الاكتشاف الفعلي للفيلم السينمائي كانت على يد الفرنسيين ”الأخوين لوميير“ فهما أول من عرض الصور المتحركة للجمهور سنة 1895، وهذا الاكتشاف والتطور هو صنيعة التقدم العلمي والتكنولوجي.
يقول الباحث في تاريخ الفنون الدكتور ثروت عكاشة في كتابه - الفن السابع - ”إن السينما حلت بشكل أو بآخر محل المسرح أبو الفنون، فلم يعد وحده يتفرد بقدرته على جمع مختلف ألوان الإبداع في عمل فني واحد، بل إن الفنون المرئية والتي يقصد بها السينما أو الدراما التلفزيونية، أصبحت اليوم في الصدارة وهي الأقدر على جمع مختلف الفنون، خاصة بعدما تطورت من الصامتة إلى الناطقة، ومن هنا امتلكت السينما القدرة على إحداث ذلك الجمع البديع، فالفن السابع هو رمز الكمال الفني“.
وجاء في تعريف السينما:
«السينما، film أو movie أو motion picture، هي مصطلح يشار به إلى التصوير المتحرك الذي يعرض للجمهور إما في أبنية فيها شاشات كبيرة تسمى دور السينما، أو على شاشات أصغر كشاشات التلفزيون».
إن الإنتاج السينمائي يشكل إرثا حضاريا لكل شعب وخصوصا الذين خاضوا غمار التمثيل منذ بدايات نشوء السينما فقد وثقوا العادات والتقاليد ومظاهر العيش والأزياء والفلكلورات ومجالات الفنون الأدائية والأدبية والطرز المعمارية وبكل ما تزخر به بلدانهم من موروثات.
ومن محاسن سنين الاكتشاف الأولى للتصوير السينمائي الرصد لأحداث عالمية كبرى، فمنذ تقلبات نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين وما تمخض عنه من صراعات جمة مرورا بالحرب العالمية الأولى، وثورة أكتوبر البلشفية وغيرها من الأحداث الجسام التي شكلت خرائط العالم السياسية والاجتماعية، دونتها السينما تصويرا وثائقيا دالا على وقوع الحدث، وعند الحديث عن تلك الحقب دائما يستدل على ذلك التصوير الصامت ذو الحركة السريعة، إنه كنز مفتوح للعيون يحرك العقول ويلهم النفوس كتراث إنساني واسع المدى.
أحيانا أمر خلال زياراتي السياحية على بعض البلدان التي لها بعد ثقافي متنوع وارث فني حضاري، وما أن تقع عيني على دار سينما قديمة حالا يأخذني الفضول لدخول المبني لا حبا في مشاهدة الأفلام، ولكن لرؤية المكان، وأصادف بعض المعروضات الأرشيفية، معلقات من الصور بالأسود والأبيض وبعضا من أفيشات الأفلام القديمة ومقتطفات لصحف عن بطولات الممثلين المؤسسين للأفلام الأولى، وقد صورت ما وقعت عيني عليه، واقتنيت مجلات وكتب عن بلدان لم أكن أعرف بأن لها تقاليد سينمائية عريقة، واكتشفت بأن لها أمجاد موغلة في عالم التمثيل والإنتاج السينمائي المتنوع.
كم نجهل عن أمم لها من الفنون والعلوم والثقافة الشيء الكثير، وهذا عائد لطغيان التوجه الأنجلوسكسوني، الذي سيطر على جميع نوافذنا والأبواب، ومن ضمنها طغيان حضور السينما الأمريكية عن بقية سينما العالم، هناك دول متفرقة لا تقل أهمية من حيث الجودة عن السينما الأمريكية، وكثير منها لها حضور مبكر في هذه الصناعة.
عربيا تتميز دول المغرب العربي عن بقية البلدان بإنشاء دور للسينما قبل غيرها من دول المشرق ومرد ذلك لوجود المستعمر الفرنسي الذي خلف موروثه الفني.
ولكن جمهورية مصر وخصوصا القاهرة تتفوق على الجميع والتي تسمى هوليوود العرب، التي لها الأسبقية في إنشاء استديو للتمثيل «استوديو مصر - 1935»،
بإنتاج أفلام منذ منتصف الثلاثينيات ولم تزل منذ ذلك الوقت وإلى اليوم هي المتربعة على عرش الصناعة السينمائية عربيا وتحل على مستوى القارة الأفريقية ثانية بعد سينما نيجيريا المسماة ب «نوليوود» التي تسبقها تاريخيا فقد تأسست سنة 1902 وأصبحت في المرتبة الثانية بعد السينما الهندية «بوليوود» من حيث عدد الأفلام المنتجة سنويا على مستوى العالم، صناعة فنية تذر دخلا اقتصاديا.
بالنسبة لنا في المملكة العربية السعودية فإن السينما شبه مغيبة كفن وكصناعة لازلنا نبحث عن تأسيس قاعدة للانطلاق، بضعة أفلام تندرج ضمن المحاولات الأولى التي تحاول أن تتلمس بدايات الطريق، لكننا لم نزل خارج الركب حتى إقليميا، أما من ناحية دور العرض السينمائي فقد أنشئت شركة أرامكو دور للسينما داخل أسوارها في كل من الظهران ورأس تنورة وتعتبر الأولى خليجيا وربما البحرين تأتي في المرتبة الثانية أو متزامنتين مع بعض.
ارتبطت ذاكرة عمال أرامكو بنشوء السينما منذ الأربعينيات حيث كانت هي المتنفس لهم من عناء العمل، ذكريات صور من خيال رسمت عوالم الدهشة على الوجوه وانبهار لكل ما يعرض، ما هذا الذي نراه!