تنبؤات درامية أم سينما متواطئة «27»
تضج الصحف الإلكترونية وكثير من المواقع الإخبارية، وبعض وسائل الإعلام والبرامج التلفزيونية بعرض التنبؤات القديمة والمحدثة لبعض المنجمين الذين تحدثوا تحديدا عن ظهور فيروس خطير سيربك مجتمعات العالم قاطبة.
دائما والتاريخ شاهد في خضم الأزمات تتغير مفاهيم البشر بين مصدق ومكذب لما قاله ذاك المنجم أو تلك العرافة، فالبعض لا يدير بالا لكل ما يقال بشأن التنبؤات ويعتبرها مجرد شعوذات وهمية، وآخرون يولون اهتماما بالغا لكل من نطق بالغيبيات المزعومة التي قد تصدق وقد تخطئ.
لكن الشيء الغريب حسب معلومات متداولة بأن بعض رؤساء دول لجأوا لأشهر العرافات وقارئات البخت لتدلهم على مستقبلهم السياسي، إن صح الزعم حول رئيس أو زعيم، فهو بمثابة ”كعب أخيل“ لشخصية معتبرة ومرموقة لديها وهن لا يرى، على الرغم مما يتمتع به من كاريزما طاغية!، هل المسألة خوفا من مفاجآت الزمن، لأخذ الحيطة والحذر بتأمين كرسي الحكم؟
أنّا يكن التبرير، كيف يربط مصيره بضاربة ودع أو قارئة فنجان، طبعا تلك القيادات لن تلجأ إلا إلى العرافين الأشهر وكأن تنبؤهم شيء مقدس.
إذا كان هذا حال المؤتمنين على قيادة كيان بحجم دولة فكيف به عند الشعوب المغلوبة على أمرها، خصوصا في أواسط المجتمعات الذي يسود فيها البؤس والفقر، حيث تعشعش فيها الخرافة ويسود الجهل وتفسح مجالا للدجالين والنصابين والمحتالين ليشكلوا حياة الضعفاء المتشبثين بسراب الحظ السعيد، وليس وحدهم من يؤمن بذلك هناك أيضا أصناف أخرى من التائهين في دروب المجتمعات المتحضرة يرهنون مستقبلهم لقراءات الطالع وحساب الودع في مسائل الحب والزواج والعمل، وكم رأينا في أوروبا عند سياج بعض الجسور النهرية أو البحرية أقفالا متدلية من الأسلاك المعدنية والفولاذية أو خيوطا معقودة على الأعمدة قيل لربط قلب الحبيب كي لا يفر، أو لضمان مستقبل لا يتبخر، اعتقادات متوارثة مسكونة في اللاوعي، ظنون موزعة بين أجناس وأعراق وأمم متجاوزة مسألة عدم الوعي أو قمة التمدن، هي حالات تأتي نتيجة الهوس وعدم الاستقرار النفسي المضطرب، والخوف الدائم لمعرفة المجهول قبل أن يأتي أو يقع بتنغيص أو سلام، تلك اهتزاز ثقة لأنماط متباينة لسلوك وتفكير بعض المجتمعات.
وليس ببعيد ولو من باب الطرافة، نلاحظ قبل عشية البطولات العالمية مثل كأس العالم، انشغال الجماهير ويساعدها الإعلام المنفلت، في البحث عن ساحر أو منجم أو دجال ليطلعهم على من سيحقق البطولة؟ ويتكاثر الولهون عند موائد الفارغين حينما يأتون بحيوان يحرك علما أو كرة صغيرة في اتجاه معين أو يقتنص إشارة ملونة، ليدلهم على من سيفوز بالمباراة القادمة، فرحة تعلو وأخرى تخيب وسط عيون تنبهر بطعم الفرجة النزقة تصفيقا لحركة عفوية لكائن لا يعقل، يصدقها العاقلون جنونا.
دائما عند الشدائد والنوائب تكبر مساحات الفضول عند العقل الجمعي المتزامن مع تنامي حالات الهلع بتمددات سلطان الخوف للاطلاع عما كان مخبأ للحاضر وما هو مضمر للمستقبل، والراكضون يقفون متسمرين عند بداية كل عام ميلادي جديد يصيخون السمع للمتنبئين ليتعرفوا على ماهية الأحداث التي سوف تقع.
وفي ظل جائحة العصر المدوية كورونا، اتجه كثير للتفتيش عن تصريحات وكتب العرافات والمنجمين لهفة بلهفة وراء صفحة أو سطر، ليتلمسوا عما أخبروا به من أشياء وماذا قالوا عن هذا وذاك، ومراجعة توصيفاتهم بتمعن واجترار لما نحن فيه من ضنك وبائي.
وكم سارع كثير في المجتمعات العربية وغيرها من شعوب الأرض، بالاتصال بالعرافين بأسئلة مكررة إلى أي وقت سيستمر الوباء ومتى سوف ينجلي؟ ومتى نكون في مأمن غدا أو بعده، وهل يعاودنا الوباء ثانية ومتى يتوقف؟
تلك أسئلة يفترض أن توجه بالأساس للباحثين في المختبرات وأهل الاختصاص، هم الأحق بالتحدث، وبالفعل أخذ العلماء نصيبهم في الكلام ولم يزالوا يتحدثون بشكل لا ينقطع، تأتي إجاباتهم كسيل منهمر، والمفارقة أنه لم يستسغ نفر كل ما تلفظوا به نتيجة تضارب المعلومات وتباين الفرضيات ففضل كثير من بعض العوام أن يقعوا أُساري لما يقوله المتنبئون،
فبات صوتهم هو المسموع، اختطفهم أهل السياسة وهم الأدهى وجيروهم كالغاوية لحاجة في نفس يعقوب، ما أكثر القيل والقال في زمن كورونا ومن لا يفقه ولا يعلم كل يدلو بدلوه حتى باتت الأقاويل ”سمك لبن تمر هندي“.
لكن ما حيلة المحتار الذي أصبحت الدنيا في نظره سجنا كبيرا، يهرب منها وجلا إلى عشه كعصفور مبلل بالخوف. هو الإنسان دائما يريد معرفة ماذا تخبئ له الأيام وما يضمر له القدر.