آخر تحديث: 22 / 11 / 2024م - 1:35 ص

تنبؤات درامية أم سينما متواطئة.. «15»

عبد العظيم شلي

وصفت جائحة كوفيد 19 بالحرب، فأي حرب هذه، حرب بلا حراب من دون أزيز رصاص، ولا دوي قنابل، ولا صوت مدافع، كل يوم تحصد أرواحاً وتصيب أجسادًا وأجساداً، وحسب منظمة الصحة العالمية بلغ عدد المصابين 1,827,173، والمتعافين 416,154، والوفيات 112,410.

وهذه أحدث إحصائية لهذا اليوم الأحد 12 أبريل على مستوى العالم، والرقم مرشح للزيادة وربما يتضاعف في ظل الضغط الكبير على جميع المستشفيات المغلقة والميدانية، وعجز الكوادر الطبية عن احتواء الأعداد الغفيرة والمتزايدة من المصابين والمرضى المشرفين على الهلاك، أمر لم تحسب له كل وزارات الصحة أي حساب وفوق طاقة كثير من الدول.

معارك حامية الوطيس في كل جبهات الدول للحد من هذا الوباء والتقليل من أخطاره واحتوائه بكل ما أوتوا من قوة وإمكانيات للوصول للخلاص من هذا الهلاك.

والمأساة المرعبة إلى أي حد سيبلغ هذا الوباء في حصد ضحاياه وكذا تعطيل مناحي الحياة.

إنها حرب مستعرة حامية من دون نار، متي ينطفئ لهيبها وتكف عن حرق أعمار البشر، ذلك هو السؤال المؤرق.

ويمتد السؤال بفزع، أية حرب هذه؟ هل هي حرب مفتعلة، مقسومة، مقدرة، مهيأة، مرتقبة، منتظرة، موعودة، أياً تكن فهي من أخطر الحروب وأشرسها، شملت بنيرانها دولاً عديدة، بالقياس مع أول حالة ظهور في مكان محدد سرعان ما انتقلت لبلد ثانٍ وثالث واجتاحت آخر وتجاوزت كل حدود الدول، خطر مروع توزع على كل القارات، أصبحت الحياة في كل الدنيا تكاد تكون معطلة وشبه مشلولة والعلماء في كثير من الدول يسابقون الزمن بالتجريب والبحث عن اللقاح الفعال لوقف هذه الجائحة وإنهاء فوضى هذه الحرب.

يا هل ترى من كان يرى أن هذه الحرب ستحدث يوماً ما؟ متنبئون، عرافون، ضاربات ودع، خبراء فلك، اقتصاديون، مخططون استراتيجيون، أناس مخفيون!! أم أن هذه الحرب لا تتعدى كونها وباء كحال الأوبئة الفتاكة التي مرت على البشرية سابقاً وخلفت ملايين القتلى، وأصبح ضحاياها نسياً منسياً في بطون التاريخ، وصف أحدهم ممن أدرك الأوبئة التي اجتاحت أوروبا، ”بأنها حروب أكثر فتكاً من السيف والمدفع“.

ما أشبه الليلة بالبارحة، أيعود الزمان دورته بعد 100 عام من آخر وباء المتمثل في الحصبة الإسبانية التي ابتدأت من 1918 إلى 1920، وخلفت أكثر من 50 مليون إنسان، أبعد قرن يتسلط على الكرة الأرضية وباء آخر، أكثر فتكاً وأقوى شراسة نظراً لنهضة العلم وتقدم البشرية بتطور الطب بشكل لا يقارن مع ما مضى.

إنها أيام عصيبة مرعبة مزلزلة تمر على كل شعوب الأرض، ووسط هذا الخضم الفجائعي تسمع أصوات النشاز من عديمي الرحمة ممن يشمتون ويتشفون بتساقط أنفس بريئة نتيجة هذا الوباء القاهر، ومرد هذا القبح المزري لأن من سقطوا ليسوا على دينهم، ولا ينتمون لفكرهم أو عرقهم! ما ذنب هؤلاء الضحايا، أليسوا بشراً، الضمير الحي يأنف من هذا التخلف العقلي، بل الفطرة الطبيعية لا إرادياً تحزن على كل نفس فارقت الحياة في هذه المحنة الإنسانية وتتعاطف مع كل المرضى الذين ابتلوا بهذا الوباء الفتاك، حيثما يتمكن هذا الفيروس من أحد لن يهتم بأخلاقه أو عقيدته أو دينه، فخطره يهدد الجميع.

كم تقلقنا الأخبار عن آخر إحصاءات الموتى وتصاعد أعداد المصابين هنا وهناك، أرقام تفزعنا طوال الوقت، ويتردد السؤال ويتكرر كثيراً، متى تنتهي هذه الحرب ومتى يهزم هذا العدو اللامرئي.

كثر اللغط لمصدر الفيروس، هل أتى من حيوان بالفعل أم الطبيعة أرسلته بشكل غامض وعفوي ليجتاح البشر بهذه السرعة الرهيبة.

وكم زادت حدة المواجهات بين رئيس دولة وآخر، عمن المتسبب في نشوء هذا الوباء العاصف القاتل، قيل خطأ معمل بيولوجي، وقيل إن الفيروس مصنع كسلاح ردع لصالح أغراض سياسية لدولة ما من أجل السيطرة والهيمنة، وقيل إنها حرب خفية مجهولة المصدر، وقيل وقيل.

وبين هذا الجدل الدائر والحوار المحتدم، والخوف المتعاظم، من الذي صور كل هذه الأجواء بكل مآسيها قبل حدوثها، إنها السينما، وصفت هذا الصراع المرعب والدائر حول الأنفس والعاصف بالأرواح تلو الأرواح، أفلام تناولت اجتياح الفيروسات وغزوها للبلدان وانقضاضها على البشر دون رحمة، مشاهد سينمائية أبصرتنا فزعاً جماعياً بتساقط أعداد القتلى درامياً.

أفلام طرحت مزيداً من الشكوك وكثيراً من الأسئلة بالمقارنة مع ما يجري على أرض الواقع، بتشابهات متقاربة مع مرويات الأفلام التي صورت المأساة قبل وقوعها بأزمنة مختلفة، أفلام كيف تنبأت بهذه الحرب الكونية، والأغرب ما دار من حوارات بين الممثلين، ثمة جمل مبثوثة وسط السيناريوهات تبعث على الشكوك والظنون، هل هذه فعلاً رؤية أفلام فنية همها الصرعات السينمائية الغريبة والمصنوعة بسعة خيال كاتب وافتتان تصورات مخرج، أم هي بالفعل أفلام حرب مخاتلة.