تنبؤات درامية أم سينما متواطئة «31»
ماذا دهى أولاد العام سام، ما نخلص من مشاهدة فيلم هوليوودي أو قراءة نبوءة عراف أو تصريح عالم أو رؤية كاتب إلا وعمليات البحث تقودنا بمثلهم أضعاف، نرى تخمة أعمال سينمائية ووفرة كتاب، وعناوين كتب نوعية ومقابلات إشكالية مثيرة للاهتمام، كلها تنضح بمعارف شتى وعلوم مختصة وأيضا تنبؤات غرائبية وأحاديث تسلية. وكثير منها يستثير الدهشة ويترك علامات استفهام، زخم مطرد في كل مجال بإنتاج متواصل في كل ميدان، هل هو تنافس محموم بينهم خالصا باسم التفرد وأحقية التزعم لرؤية الصواب، خدمة لعيون البشرية، أم المسالة رص الصفوف كل في حقله لتوجيه عمليات الاستهداف نحو خلق عدو مستدام؟. وعلى قارعة التسول المعرفي مشدودين كأوتار القوس نرى سهاما ترمى وتختلط بالحابل والنابل، فلا نعرف من المستقل فكريا ومن المجير نخبويا، إنتاج من كل لون وفن، صناع مهرة بإفصاح يختبر الساهي واليقظ والحيران وكل الناظرين على ولائم الكابوي، انبهار بالقوة الناعمة الآسرة للعقول والأفئدة، والأقوام اتجاه هيمنتهم اسارى يؤثرون الركون صمتا وإن تحركوا فقط في حدود لغط فتح الفاه، طالما المتفوق ضج في الآفاق برصد دبيب النمل.
قرون استشعارهم تسوقنا بنظرات وفق ما يشتهون، مأخوذين ببهتان ماضوي كيف كانوا بالأمس يخططون ونحن على الأرائك ممددين، نتجادل زورا وبهتانا وإفكا على هوامش الحياة ونتذاكى وهما وسط ضجيج الغمام، وتاريخهم امطرنا بزعم كل شيء، وهاهي رواية بللت القراء تضليلا بتوجيه محكم منذ 40 عاما، رواية تنبأت بفيروس مدمر، تدعى ”عيون الظلام“، ”The Eyes of Darkness“
الصادرة عام 1981، للروائي الأمريكي ”دين كونتز“،
هذه الرواية أحدثت حاليا ضجة على مستوى الإعلام المسموع والمقروء، وتم تدأولها في جميع منصات الصحف الإلكترونية، وعلى مستوى وسائل التواصل الاجتماعي محليا وعالميا، وتحدثت عنها جميع صحف العالم تقريبا فقد أفردت لها الصفحات بأحاديث مطولة ومتنوعة عن فحوى ما جاء فيها، واقتطعت أجزاء من صفحاتها بوضع تدويرات وخطوط وإشارات بالقلم الأحمر وتحت أسطرها المهمة، وتم عقد مقارنة عند سرد أحداثها اللافتة لما يحصل على أرض واقعنا المتأزم خوفا وهلعا.
رواية لم تكن منسية كما يظن البعض، فقد حظيت مسبقا وعلى فترات متعاقبة بشعبية واسعة منذ طبعتها الأولى، ولاسيما عند الناطقين باللغة الإنجليزية وتم طباعتها عدة مرات وبأغلفة ذات أشكال وألوان، تنوعت بين التكوينات العادية، والحالمة وأخرى مخيفة وغامضة، وكل فنان وضع تخيله للرواية فجاءت الأغلفة بمثابة معرض متباين من حيث الرؤى الفنية، وفي كل مرة يتم طبعها تنفذ من الأسواق وتحقق أعلى المبيعات، لأن الكاتب ”دين كونتز“ غزير الإنتاج، إذ بلغت مؤلفاته من الرويات ومجاميع القصص كإصدارات على هيئة كتب 80 مؤلفا، فهو ينتمي لـ ”ثقافة البوب“، أي الروايات الشعبية، سهلة القراءة على غرار رويات ”عبير“ أو البوليسية والجاسوسية، أعماله لا تحسب على الأدب الرفيع، لكن الكاتب خلال الأربعين سنة يعد الأكثر شعبية في أمريكا بسبب أعماله المتسمة بالغموض والعقد النفسية، والإثارة والتشويق، وقد أصبح نجما لامعا ومعروفا في كل دول العالم من خلال روايته ذاع الصيت ”عيون الظلام“ والتي زاد رواجها اضعاف مضاعفة عن ذي قبل، وتم الطلب عليها في كل مواقع المتاجر الاكترونية بشكل خرافي، بل قفزت مبيعاتها متجاوزة كل مؤلفات الكاتب المتعددة، بل صعدت للواجهة لأفضل عشر رويات تقرأ على مستوى العالم برغم حبكتها الدرامية البسيطة، وقد تحولت في الوقت الحاضر إلى ظاهرة أدبية شعبية عالمية، ليس لقيمتها الفنية ولكن لتنبؤها المبكر عن وباء سيجتاح البشرية، فقد اخبرت القراء منذ اربعين عاما عن طبيعة فيروس مدمر والأغرب حددت مكان مصدره!.