تنبؤات درامية أم سينما متواطئة «22»
مع بداية أيام الخوف التي اجتاحت العالم من جراء جائحة كوفيد 19، برزت أفلام في الواجهة على حساب أخرى بعد أن ترددت أصدائهافي كل مكان، فقد تصدرت عناوينها الصحف والمجلات والتلفاز والسوشل ميديا، ومرد ذلك لإرتباطها الوثيق بتصوير مخاطر الأوبئة المهددة لحياة البشر. إقبال على هذه النوعية من الأفلام دون غيرها مدفوعا بشغف الاطلاع لما حوت، وبطلب غير مسبوق، فارتفعت أسهمها بعدماكانت متوارية عن الأنظار، توقًا للمشاهدة، ولمعرفة ما دار فيها دون النظر لقيمتها الفنية، إنه اهتمام بالغ لكشف تفاصيل رواية أحداثها.
انبرت أقلام لتفكيك خطابها الدرامي مجزأ وموسعا في الصحافة والإعلام، الأمر الذي جعل من بعض مقاطعها يتناقل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لإبلاغ أهل الحاضر برؤية ما تم تصويره سلفا، ولمّا يشهد العالم بعد جائحة اليوم.
أفلام مُثلت منذ زمن، كيف استشرفت الحدث الوبائي بخطورته قبل أن يحصل، وكيف استطاعت استنباط مشهديته الكارثية، من أين تسنى لها تخيل ذلك؟!
ويأتي في مقدمة هذه الأفلام التي حازت شهرة واسعة منذ بداية وباء كوفيد 19، الفيلم الأمريكي الهوليودي الذي حمل عنوان contagion ”عدوى“ والذي تم انتاجه عام 2011، هذا الفيلم تتقاطع بعض أحداثه مع جائحة كورونا، والمفارقة بأن وقت صدوره لم يلق رواجا كغيره من الأفلام التي تناولت اخطار الفيروسات، برغم من أن من قاموا بالأدوار ممثلين بارزين في عالم السينما. قد يكون هذا الفيلم ذو صبغة تقليدية لموضوع مكرر ومطروح سابقا، فصرف عنه النظر، وأيضا لإحتواء بعض مشاهده على شيء من الرتابة، لكن السيناريو مقبول ذهنيا وغير منحاز للشطحات الخيالية الزائدة عن اللزوم، وبحبكة درامية بعيدة عن التعقيد، دراما مفهومة لا تتعب المشاهد في تتبع مسارات وأحداث الفيلم، وقد أبقى مخرج العمل سر منشأ الوباء إلى حين يبلغ الفيلم نهايته.
وقد اعتمد السينارست على معلومات علمية دقيقة استعان بها من فريق مركز الأوبئة والأمراض المعدية، حيث يستشعر المشاهد أحيانا بأنه إزاء فيلم تسجيلي عن علم الفيروسات، يسلط الضوء على جهود العلماء وأحاديثهم حول طبيعة الأوبئة الدائرة في غرف المختبرات الخطرة والتحرك بألبسة وقائية، حيث تتوارد على ألسنتهم أسماء للأحياء الدقيقة المعدية وكيف تنشط وتتكاثر. قد تكون هذه المعلومات غائبة عن الانسان العادي لكنها أتت في الإطار الدرامي.
وأيضا يحوي الفيلم على اسقاطات سياسية واتهامات مباشرة لجهات معينة.
تدور أحداثه بداية من مدينة كاولون - هونغ كونغ، بتجوال ليلي على البحر والأسواق والناس، من خلال تنقل نادل ياباني خرج للتو من عمله في أحد المطاعم مستقلا حافلة نهرية ثم أتوبيس نقل عام، وهو يعاني سعالا شديدا ومتواصلا، يعبر الدرب منهك القوى، شاحب الوجه، لا يقوى على المشي ويترنح يمينا وشمالا، محاولا عبور الشارع وفجأة تدهسه سيارة وترديه قتيلا، وهو من قدم طلبات الطعام لإمرأة أمريكية تدعى ”بث امهوف“ وقد تبادل معها صورا للذكرى من خلال مسك كاميرتها الصغيرة، فذهب هو لحتفه وهي أخذها ضجيج أضواء الحانة بين كسب لعب الورق وتوزيع الإبتسامات. هذه مشهدية أتى تفصيلها دراميا لاحقا.
إنّ تواجد السيدة ”بث“ في هونج كونج كان بغرض رحلة عمل، وحين أنهت تواجدها بعد سهرة ترفيهية حاملة حقيبة سفرها ومجهول غير مرئي. انقضت ليلتها الأخيرة ثم توجهت في اليوم التالي إلى شيكاغو - امريكا، وكان في انتظارها الزوج وطفلها البالغ من العمر 6 سنوات، بينما ابنتها خارج المنزل، ومع حرارة الاستقبال، ارتفعت حرارتها وازداد إيقاع سعالها، وتغيرت ملامحها نحو الذبول، فظن زوجها بأنها مصابة بنزلة برد، لحظات وتسقط أرضا في المطبخ ويتخشب جسدها فاقدة للوعي، لتنقل على عجل للمستشفى، ولتخصع لتشخيصات متعددة، فيتضح بأنها مصابة بفيروس غامض وبعد يومين فارقت الحياة، ولحقها ابنها الوحيد. وسط علامات الذهول وهول الفجيعة على الزوج والذي خضع هو الآخر لفحوصات سريرية خوفا من انتقال المرض اليه، اتضح بأن مناعته قوية ضد الفايروس الغريب، عاش الأب مع ابنته المراهقة يتبادلان الحزن ويراقبان عن كثب تغيرات المشهد القاسي من لوعة الفراق وبين كارثية ما سيحل في مجتمعهما والعالم.
فايروس غامض أتى من شرق آسيا ثم انتشر شيئا فشيئا في بلدان متعددة.
ويبقى السؤال ما هو سبب هذا الفايروس؟ جواب مؤجل، والمؤكد انتقاله عن طريق اللمس عبر سواح من جنسيات مختلفة وفدوا الى جزيرة هونغ كونغ الصينية وأصيبوا به دون أن يدروا ما كان متربصا بهم فعادوا الى بلدانهم ناشرين العدوى دون أن يعرف أحدا منهم عما يحملونه من خطر لا مرئي، وأيضا الهواء ساعد في انتشار العدوى سريعا وأصبح المشهد وباء عالميا.
الحزن خيم على الزوج المكلوم الذي لم يجد طريقة لدفن زوجته وولده نظرا لارتفاع نسب الضحايا، فكّر في احراق الجثتين، لقد ضاقت الأرض بما رحبت، وتم الدفن ضمن الأعداد المتزايدة من الموتى في مقابر جماعية.
دراما وبائية موجعة في تفاصيل فيلم ”العدوى“ الذي عرض قبل 9 سنوات، هل حمل منذ ذلك الحين نبوءة 2020؟