تنبؤات درامية أم سينما متواطئة «28»
ثمة تواريخ انطبعت في ذاكرة الشعوب والأمم لارتباطها بمتغير هام أو حدث جلل، اكتسبت عنوانا بارزا أثر تحول كبير قد يكون سارا او مأساويا، هي ارقام حين تراها أو تسمعها قد لا تعني شيئا، لكنها تمثل كابوسا للبعض وسعدا للٱخر، على سبيل المثال 1967 منظر هذه الأرقام مزعج لمن ادرك أو عرف هذا التاريخ، إنه عام شؤم عند العرب فهو يمثل انكسار أمة ”نكسة حزيران“ وكذا 1948 ”عام النكبة“، بخلاف العدو، أما 1973 عام نصر للعرب رقم لا ينسى، وكذا تواريخ الحربين العالميتين، والاتفافيات والثورات.. والأحداث الكبرى التي شكلت منعطفات في تاريخ البشرية، هي أرقام خالدة اكتسبت أهميتها بقيمة الحدث ذاته.
وحين أطل علينا تاريخ 2020 بتشكيلة أرقامه المتشابهة، استقبلناه بالبشرى وظنناه عام سعد بأرقامه المميزة، لكنه جاء مغايرا ومخيبا للٱمال ومحطما للأحلام ومختلف عن بقية الأعوام، جائنا مزلزلا داكا الأرض دكا، قلب الموازين وغير المفاهيم، وكشف المستور والمخبأ، وعرى عورات الدول. انطبع في وجداننا ومخيلتنا وتفكيرنا وحواسنا بعام الوباء، عام أرهق جميع البشر وأزهق الأنفس، وطال كل شيء، ستظل أرقامه ترعبنا وحتى لو تلاشى البلاء ومرت السنون.
إيه يا 2020 ماذا فعلت بنا؟ تغالبنا الظنون وتخامرنا الشكوك، عن شهورك الحالكة وعن أيامك المحملة بكائن لا يرى، أتيتنا بريح صرصر عاتية ونشرت الذعر على أحصنة الوقت ”كجلمود صخر حطه السيل من عل“، قسوتك الصلبة دحرجت ألوفا من الأجساد الطرية وعاجلتها إلى مثواها الأخير، أتيتنا على حين غفلة وقيدتنا كالأسارى، واجتحت الممالك والأمصار والأقطار كجيوش مغول محدثة من دون قرع طبول، حاربتنا في اليقظة والأحلام، ولاحقتنا كالطرائد العمياء، واصطدت منا ماطاب لك دون أدنى مقاومة.
تنازعنا ونصارعك، ومتى سنهزمك، متى؟.
ياويحنا يوم حذرنا بالأمس نفر من علماء وشخصيات عن قدومك المختل لعقولنا، كنا لاهين وصرفنا النظر وظلل الطريق، والآن ذهبت السكرة وجاءت سكرة بفكرة وفكرة بسكرة، ضاعت منا أبجدية الصحو، نسينا تهجئة ما تلونا، همهمة حروف ملت ألسننا نطق أرقام عامنا هذا، لقد ضاع منا الحدس والأمان.
رويدا رويدا في محراب التأمل عاكفون على مراجعة فكرنا المأزوم من ضجيج الاستهلاك، إشارات أرسلت، سمعنا ولم نقل أطعنا، لعلنا اليوم نستعيد ما فاتنا ونتأمل من أتى بفكر سليم أم ببوح مخاتل، لقد تحدثوا بشكل جدي وبحماس منقطع النظير، جٱءوا بقول الحق، وكل عن كلامهم ساهون؟.
ثلة من العلماء صدحوا بما هو مرئي أمامهم وحذروا من الأخطار المحدقة والقادمة على سطح الكوكب. فقد انطلق العالم الأمريكي في مجال العلوم والطبيعية والرحلات، David Quammen
دافيد كوامين في رحلة بحث دامت خمس سنوات مسافرا من بلد إلى بلد راصد منشأ الفيروسات الفتاكة، وتوج رحلته البحثية المغامراتية في كتاب اطلق عليه SPILLOVER الفيض - أمراض الحيونات المعدية وجائحة الوباء التالية بين البشر، الصادر سنة 2012 وقد ترجمه مصطفى ابراهيم فهمي 2014، وقامت سلسلة عالم المعرفة الكويتية بطبعه ونشره سنة 2015.
كتاب علمي بنكهة روائية، يتكون من جزأين، بمجموع 700صفحة، ومنها استعرض صفحة منتقاة من الكتاب القيم: ”يوجد احتمال لوقوع جائحة وباء بسبب مرض جديد علينا وليس قديما، وستكون الجرثومة المسببة لهذا المرض ايضا غير مألوفة لنا وغالبا من الفيروسات، هذا الفيروس الجديد لن يأتي الينا من الفضاء المجهول، بل ستنبثق الجائحة كما يتوقع نتيجة لفيض من العدوى بجراثيم تصل إلى البشر من حيوانات غير بشرية، وقد يكون هذا الحيوان أحد قرود أفريقيا، أو القوارض والجرذان من الصين، وسوف يسهل من انتشار الجائحة ما يحدث الآن من سرعة الانتقال والسفر خاصة بالطيران، حتى أن الوباء قد ينتشر عالميا في ظرف ساعات. على أن بعض العلماء يخشون من أن جائحة الوباء التالي التي تهدد العالم قد تنبثق عن فيروس معروف ولكنه يكمن في عائل خازن متربصا لوجود الظروف اللازمة لانتشاره وانتقال العدوى للإنسان مثال ذلك فيروس الكورونا الإكليل، سمي هذا الفيروس بالكورونا او الإكليل لأن المشهد تحت الميكروسكوب تبدو فيه جسيمات الفيروس وقد أحاطت بها نتؤات مستديرة بارزة كأنها اكليل. فيروس كورونا يدمر سريعا الجهاز التنفسي ويصعب علاجه بعد الإصابة ويؤدي إلى نسبة وفيات عالية“.
وبحسب المترجم: ”كتاب الفيض يساعد العلماء والباحثين في إعطاء إنذار مبكر وفي محاولة تنفيذ الإجرات اللازمة لتفادي مثل هذا الوباء أو الحدث الكبير التالي، وتجنبه قبل وقوعه“.
كتاب نشر منذ 8 سنوات، يفيض بالمعاناة والمناداة لكل من يهمه الأمر، وبكل أسف مركون في أزمنة اللامسموع، كتاب قرأ اولم يقرأ كل سادر في دنياه.
”لقد اسمعت لو ناديت حيا ولكن لاحياة لمن تنادي“.