آخر تحديث: 22 / 11 / 2024م - 1:35 ص

تنبؤات درامية أم سينما متواطئة.. «13»

عبد العظيم شلي

أثناء الاحتلال العراقي للكويت بثت قناة CNN الأمريكية برامج متتالية بامتلاك نظام صدام حسين ترسانة من الأسلحة الكيماوية والبيلوجية والجرثومية، سرعان ما تداولت تلك المعلومات المفزعة غالبية وسائل الإعلام الأجنبية والعربية، وبتركيز مكثف بأن هذه الأسلحة فتاكة وخطرة على الجنس البشري وفي حال إطلاقها لا تبقي ولا تذر أي كائن حي في الوجود وسوف تحرق الأخضر واليابس، مجموعة رسائل بثت طوال الوقت تحذر من خطورة الوضع.

وأثناء بدء تحرير الكويت أصيب الناس في منطقة الخليج بالخوف والهلع، وكل أخذ الاحتياطات اللازمة، من إغلاق النوافذ بإحكام، ووضع أقمشة عند أسفل الأبواب، وتثبيت أشرطة لاصقة على الزجاج، والبعض قام بشراء الأقنعة الواقية، وكل أخذ التعليمات الصحية والتحذيرات الوقائية على محمل الجد.

ويرتفع إيقاع التوتر صخبا وصراخا حينما تطلق صافرات الإنذار صوتها المدوي، لتخبرنا أن خطرًا قادمًا يسبح في الجو، صاروخ عراقي «سكود» اطلق باتجاه المنطقة، يزداد الخوف أضعافا مضاعفة، فلربما يكون هذا الصاروخ محملا بأسلحة كيماوية سينفجر وينتشر في الجو ويتسمم الهواء الذي نتنفسه، ارتياب وقلق وهلع يضج المضاجع، وتوجسات لا تنقطع، خوفا من اختناق بين لحظة وأخرى وكأن الموت على الأبواب، مر الوقت علينا عصيبا وأحيانا خانقا. وقتها كنا في إجازة نصف العام الدراسي، وانقضت أيامها، ومددت أسبوعًا واحدًا وتلاها آخر ومضى شهر ثم أصبحت شهرين اثنين، لأن سيناريو التحرير على أشده، وعند اقتراب نهاية شهر شعبان وضعت الحرب أوزارها واستقبلنا تحرير الكويت بفرحة عارمة تزامنا مع استقبالنا شهر رمضان الكريم، وعدنا للدراسة بعد انتهاء أيام عيد الفطر المبارك وعادت حياتنا طبيعية بعد تلك المحنة العصيبة.

وللتاريخ كان هناك موقف وطني ملحمي في عودة الكويت إلى أهلها.

تلك كانت حربًا كارثية لم تنته فصولها بانتهائها، بل جرتها كوارث عظمى، ويرى محللون ومتابعون بأنها نتيجة كذبة كبرى سوقتها أمريكا ليل نهار منذ عام 1991 إلى عام 2003 بأن العراق لم يزل يحتفظ بأسلحته الخطرة، برغم تقارير مفتشي الأمم المتحدة بأن العراق بات خاليا من أسلحة الدمار الشامل وذلك بعد حملات تفتيشية واسعة النطاق في كل ناحية من نواحي أرض الرافدين، إنما السعي والإلحاح الأمريكي لاستهداف العراق وغزوه كان موضوعا على طاولة الساسة في البيت الأبيض منذ زمن، سار التظليل الأمريكي في أروقة مبنى الأمم المتحدة وأمام أنظار العالم عبر فيلم قصير عرضه وزير الخارجية الأمريكي الجنرال ”كولن باول“ يستعرض فيه مجموعة مركبات تجر صهاريج التقطت بواسطة الأقمار الصناعية قيل بأنها سيارات تحمل أسلحة كيماوية ينقلها الجنود العراقيون من مكان ليخبوها في مكان آخر.

وعلى هذا الأساس انطلت كذبة الفيلم على مجلس الأمن، وشنت الحرب تحت دعوة بوش المستمرة من أجل تخليص العالم من خطر يهددها وهي أسلحة الدمار العراقية، ووجود خدعة سينمائية مسوغة لتبرير الحرب على العراق.

حلقت الطائرات الحربية وانطلقت أرتال الدبابات المجنزرة والأرتال المجوقلة تجوب أرض وسماء العراق الجريح من حصار على مدى 13 عاما. حرق وسلب ودمار وجحيم معارك، وشعب ليس له ذنب ذاق فيها المر، وتساقطت أنفس وسالت دماء وراء دماء وكأن نهرا أحمر ثالثا ينافس دجلة والفرات!. وحين لم يعثر أبناء الكابوي القادمين من آلاف الأميال على أي شيء من أسلحة الدمار المزعومة انطلقت أبواقهم بتغيير شكل الخطاب تحت دعوات تحرير العراق من نظامه الشرير وتخليصه من نير الديكتاتورية ونشر الديمقراطية وبعناوين براقة، تحت ما يسمى «الفوضى الخلاقة»، والتي فككت النسيج الفسيفسائي الذي كان يشكل لوحة العراق الجميلة على مدى قرون خلت. وتحقق لأمريكا ما أرادت من تحطيم قوة العراق ورهن إرادته للقاصي والداني.

في هذه الأيام نعيش هلعا وخوفا وقلقا أكثر بكثير عما مضى فلن نسمع الآن صافرة إنذار تحذرنا أن صاروخا متجها نحونا محملا بأسلحة دمار شامل لنحتاط، بل سهام من فيروسات كورونا تنطلق في الجو لا نراها تتربص بنا في كل لحظة وثانية، الكل متوجس ووجل وخائف، الأخبار ترسل لنا على مدار الوقت أنباء عن انتشال الموتى في كل قارات العالم، وحالات المصابين في كل مكان تزداد سوءًا يوما بعد يوم، والشغل الشاغل عبر جوالاتنا ومحطات التلفاز تتبع أخبارنا المحلية والدولية، وآخر المستجد وما هي أحدث المتغيرات شرقا وغربا، أصبحت حياتنا شبه معطلة بل مشلولة، برغم الدعم اللامحدود من حكومتنا الرشيدة وسياستها العقلانية لحفظ أبنائها وبناتها وكل من يدب على أرضها، وبرغم التطمينات المستمرة ثمة خوف وتوجس وترقب ومشاعر متباينة وأحاسيس رهيفة تسكن الناس ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً نعم فلا مزاح مع الموت حين يحدق بالأرواح.