تنبؤات درامية أم سينما متواطئة.. «11»
جاء في خطاب الأمن القومي الأمريكي NSS ”إن قوتنا يجب أن تكون قوية بما فيه الكفاية لثني الخصوم المحتملين عن مواصلة بناء قوة عسكرية بأمل مضاهاة القوة الأمريكية أو تجاوزها“.
إن منطق القوة ليس لردع الخصوم كاحتمالية واردة، بل لفرض الهيمنة والبطش والغطرسة، والاستعراض والتفاخر والتبجح… إلخ، هي دلالات راسخة للسياسة الأمريكية بانتهاج مذهب القوة حديثاً وقديماً، بغض النظر عمن يحكمها، لا خلاف بين رئيس وآخر ولا بين الحزبين الديمقراطي او الجمهوري، كلاهما في الهواء سوا، المنطق واحد وإن اختلف الشكل، تبقى العقيدة ذاتها أمريكا فوق الجميع.
وخير مثال حصار كوبا، فمنذ 1959ولحد اليوم، والوضع مستمر لم يتغير أي شيء، عدائية متوحشة على مدى 60 عاماً، من دولة عظمى ضد دويلة صغيرة محدودة المساحة والإمكانيات والقدرات.
ضجيج الصلف عبر الدعاية الرسمية الأمريكية التي ما فتئت تصم الآذان والأسماع في كل مكان ”الأشرار وحدهم يكرهون أمريكا لأنها منارة الديمقراطية، ولأنها تجسد القيم السامية“.
من هذا المنطق الاستقصائي لكل من يتأبط نقداً بتلك القيم ستحل عليه اللعنة، ومن ينبس ببنت شفة للنيل من السياسة الأمريكية الويل والثبور له والعقاب في انتظاره بشتى السبل.
حينما تريد واشنطن شيطنة أي بلد توعز لسينما هوليوود بتقديم أفلام تخدم توجهها السياسي لتمرير مشاريعها الاستحواذية، لتهيئة الرأي العام لأجواء حرب قادمة أو تلميع صورتها في الحروب الماضية، اشتغال مدروس لسلب العقول بدءاً بالغزو الفكري والثقافي مروراً بترسيخ عقيدة القتال ثم الهجوم العسكري.
وتاريخ هوليوود حافل بنماذج أفلام الترويج للحروب الاستباقية، وبين الاثنين رؤية متحدة من جهة صانعي القرار ومنتجي السينما، مفاده عقدة التفوق وإرهاب الآخر ب ”ضرورة الحفاظ على الأمن القومي“، ومن أجل ذلك يتم تخريب أمم وتشويه شعوب وغزو أوطان ظلماً وعدواناً، بمصطلح محاربة الأعداء في كل مكان وأي زمان، ومن أراد السلامة على نفسه، ليسلم مفاتيح بيته حتى يكون في مأمن من الغضب الأمريكي، منهجية مستدامة ليس لها سقف محدد، شهية مفتوحة باستنزاف الحليف والصديق ولي ذراع الخصم أو كسر عظامه.
يقول الفيلسوف الفرنسي ريجيس دوبريه: ”إن هوليوود هي العنصر الأهم في الإعلام، وهوليوود كانت على الدوام مع توجهات الحكومة وتوجهات وسياسة كل الإدارات الأمريكية الجمهورية والديمقراطية على حد سواء، والتي خاضت معها حروبها، ليست ثمة صناعة سينمائية وتليفزيونية في العالم لعبت الدور الذي تلعبه هوليوود من حيث قدرتها على الإبلاغ والتأثير ومن حيث سلطتها على العقول والقلوب ودورها الدعائي الذي لا يضاهى“.
هذه علاقة متداخلة وتفاعلية قديمة وليست وليدة اليوم، وذلك حسبما جاء في قول الرئيس روزفلت الذي كان رئيساً للولايات المتحدة من 1901 - 1909: ”إن صناعة الصورة المتحركة يمكن أن تكون أقوى أداة للدعاية في العالم سواء حاولت ذلك أم لا“، وهو القائل بفرض سياسة القوة حتى في الأعراف الدولية ”الدبلوماسية هي أن تضع عصا غليظة على الطاولة ثم تتحدث بهدوء“، وهو تهديد مبطن لمخاطبة الآخر للهيمنة على قراره وتهديده بالاستحواذ عليه باستخدام ألفاظ ناعمة، فهو لا يقوى على الرد لأنه ينظر للعصا بارتجاف، وإن تكلم فهو يتحدث بانكسار.
وكم روجت امريكا سياستها الناعمة عبر الفن السابع للتبشير بفرد عضلات القوة، وإخافة الآخر.
يقول رضوان بلخيري في كتابه المعنون ب ”صورة المسلم في وسائل الإعلام الأمريكية“: ”ظهرت أفلام تمجد القوة العسكرية وتعدها ثمناً ضرورياً يجب دفعه مقابل الحرية، فالصورة السينمائية سلاح ناعم آلي بجانب السلاح العسكري لفرض الهيمنة، يهدف إلى تحقيق مفاهيم على شاكلة التنميط وتشكيل الصورة الذهنية عن طريق رسائل تحمل في طياتها معاني ضمنية مختلفة يغفل عنها المتلقي“.
فهوليوود تمثل ذراع أمريكا لتمرير عدوانها وإيصال أيدولوجيتها النيوبرالية، التي تهدف من ورائها إلى السيادة على كل الدول والهيمنة على مقدرات الشعوب المغلوبة على أمرها، السينما حاضرة في خدمة العسكر، يقول المخرج فرانسوا تروفوت: ”كل فيلم عن الحرب ينتهي به المطاف أن يصبح مؤيداً للحرب“.
هكذا جعلت أمريكا من هوليوود يدها الضاربة في كل الاتجاهات.