تنبؤات درامية أم سينما متواطئة.. «4»
أخذتني سهرة سفر صيف عام 2001 في إحدى غرف فنادق كوالالمبور، حيث كنت أتفرج على التلفاز، وبين لحظة وأخرى أتنقل بين القنوات الفضائية الماليزية، وإذا بي أتسمر لمشاهدة فيلم أمريكي بعنوان: ”Three Kings“ ”ثلاثة ملوك“.
تدور أحداثه في جنوب العراق، وتحديداً خلال الانتفاضة الشعبانية ضد نظام صدام حسين، مباشرة بعد حرب تحرير الكويت وهزيمة الجيش العراقي على أيدي قوات التحالف الغربي والعربي بقيادة أمريكا 1991، والمعروفة بحرب الخليج الثانية ”عاصفة الصحراء“.
يدور الفيلم حول ثلاثة جنود يرأسهم جنرال، مهمتهم البحث عن سبائك الذهب التي قام بسرقتها جنود عراقيون من البنوك أثناء احتلالهم للكويت وخبأوها داخل أقبية تحت الأرض، صراع البحث تدور أحداثه في قلب الصحراء بالقرب من محافظة كربلاء.
جنود سراق يريدون أن يستحوذوا على الذهب المسروق، عبر خريطة ترشدهم للوصول للكنز، لينعموا به دون علم القيادة الأمريكية المتمركزة في الكويت.
يحتوي الفيلم على مشاهد الأكشن والكوميديا في ظلال الخوف والرعب والقتل، وكالعادة يوظف المخرج ”دفيد راسيل“ كغيره من مخرجي هوليوود بإبراز قوة الجنود الأمريكيين، بتضخيم عقيدة التفوق والغلبة في كل نزال، رؤية معتادة في كل أفلام الحروب الأمريكية التي تصنعها هوليوود، أبطال لا يشق لهم غبار، شجعان لا يقهرون ولا ينهزمون، لا يهابون الموت وعلى الدوام منتصرون، برغم هزيمتهم الكبرى في فيتنام، قدمتهم السينما عكس الواقع، ولم ينج من ”البروباجندا“ سوى بضعة أفلام قليلة وقليلة جداً.
وبالمقابل، يظهر لنا فيلم ”ثلاثة ملوك“ بؤس الجندي والمواطن العراقي الذي صورهم عمداً حفاة جياعاً يطلبون الطعام بذل ومسكنة، وتأخذنا المشاهد كيف أنقذ الجنود الأمريكيون العراقيين الهاربين من بطش قوات النظام بتوفير الرعاية والحماية والفرار لمراكز الحدود الإيرانية وإعطائهم بعضاً من غنائم الذهب الذي ظفروا به بعد جهد مضنٍ.
هناك تفصيلات كثيرة حواها الفيلم المحمل بالثيمة المتكررة؛ عدالة الرؤية الأمريكية أينما حلت وارتحلت.
فيلم أخذني حديثاً مطولاً بعد رجوعي للبلد، حيث التقيت بصديق العمر محمد الدرازي، وهو المتابع أكثر مني لجديد وقديم الأفلام، تبادلنا أطراف الحديث ونحن جلوس على مقاعد شاطئ دارين، سردت له أحداث فيلم ”ثلاثة ملوك“ بحماس ظناً مني أنني سوف أفاجئه، لكن المفاجأة عكسها نحوي، بتفاعله لتصويب كلامي لرسم المشاهد الدرامية بدقة، وأبلغني بأنه شاهده مرتين أو ثلاثاً، وتوقف عند بعض اللقطات نقداً، مؤكداً لي أن الفيلم من إنتاج 1999م، وقد حقق إيرادات عالية.
النقطة الجوهرية في حوارنا هي تماثل رؤيتنا حول مغزى وتوقيت عرض الفيلم، قائلين لبعض بأن الفيلم ينذر بشيء قادم والله أعلم.
وبعد مرور عام ونصف العام تقريباً، توظف أمريكا كل جبروتها وصلفها وادعاءاتها لغزو العراق الذي كان يئن من حصار جائر لمدة 13 عاماً، تجتاحه بآلتها المدمرة وجحافلها المهلكة على مرأى ومسمع العالم دون أن يحرك أحد ساكناً أو ينطق ببنت شفة، من يقف أمامها؟! من يوقفها؟ هي القطب الأوحد والقوة العظمى، ما تراه صحيحاً كان أم خطأ تنفذه دون تردد وتنتقم لكل من يشاكسها أو يعاندها بأي شكل من الأشكال عاجلاً أم آجلاً، بالحصار، بالتجويع، بالتركيع، بالترهيب، ثم شن الحروب الاقتصادية والعسكرية وما بينهما، تجتاح البلدان بالحروب الخفية!!
غزت العراق 2003 وعبثت فيه خراباً ودماراً، بغطرسة وهوس وجنون دون هوادة، ومن عام 2003 إلى حد الآن والعراق مسلوب الإرادة، وضعته أمريكا تحت وصايتها ورحمتها وتسيره على هواها، ضمن تثبيت 12 قاعدة عسكرية منتشرة في طول البلاد وعرضها تفعل به كيفما تشاء ووقتما تشاء.
قدر العراق حروب تلد حروبً.
فيلم ”ثلاثة ملوك“ غزا العراق غزواً استباقياً قبل الغزو الفعلي، دراما فيلم حولت الواقع لتراجيديا مستمرة بواقع مر ومرعب، بنحيب ونزف وطن.