آخر تحديث: 22 / 11 / 2024م - 1:35 ص

فائدة لغوية «59»: رمضان بين الأصل والمآل

الدكتور أحمد فتح الله *

كلمة ”رمضان“ في الأصل مصدر كالحيوان والجولان، والألف والنون زائدتان، جعلته العرب اسمًا للشهر التَّاسع الذي كان اسمه ”ناتق“ «معجم لسان العرب، لابن منظور» وذلك في عملية تغيير أسماء شهور السّنة[1] . ويذهب أصحاب المعاجم والإخباريون «المؤرخون» أن سبب هذه التسميّة وقوعه حين التغيير في صيف شديد الحرارة «الصّحاح، الجوهري»، وذهبوا إلى أن أصله الجذر «ر م ض». يقول الفيُّومي في ”المصباح المنير“: الرمضاء: الحجارة الحاميّة من حرّ الشمس، ورمض يومنا رمضا من باب تعب: اشتدّ حرّه. ورمضان - اسم للشهر، قيل سمّى بذلك لأنّ وضعه موافق الرّمض وهو شدّة الحرّ وجمعه رمضانات وأرمضاء.

وفي ”معجم مقاييس اللغة“ لابن فارس: رمض، الرّاء والميم والضاد أصلٌ مطَّرِدٌ يدلُّ على حِدّةٍ في شيء مِن حرٍّ وغيره. فالرَّمَض: حَرُّ الحجارةِ من شِدّة حَرّ الشمس. وأرضٌ رَمِضَةٌ: حارّة الحجارة. وذكر قومٌ أن رمَضانَ اشتقاقُه من شِدّة الحر؛ لأنَّهم لمَّا نقلوا اسمَ الشُّهور عن اللغة القديمة سَمَّوْها بالأزمنة، فوافق رمضان أيّام رَمَضِ الحرّ[2] . ويجمع على رَمضانات وأرمِضاء. ومن الباب أرمضَهُ الأمرُ ورَمِضَ للأمْرِ. ورَمِض أيضاً، إذا أحرقَتْه الرَّمْضاء. ويقال رَمَضْتُ اللّحمَ على الرَّضْفِ، إذا أنضجْتَه. ومن الباب سِكِّين رَمِيض. وكلُّ حادٍّ رَمِيضٌ. ويقال ارتمَضَ بَطْنُه: فسَدَ، كأنَّ ثَمَّ داءً يُحْرِقُه.

ويتداول المسلمون عدة معانٍ وتأويلات دينيّة لاسم شهر ”رمضان“ ذكرها القرطبي «ت: 670 هـ » في تفسيره ”مجمع البيان“ «آية 185 من سورة البقرة»، وكلّها غير وجيهة لأن تسميّة الشَّهر ”رمضان“ كانت قبل الإسلام وقبل تكليف الصيّام «”تحقيق كلمات القرآن الكريم“، الشيخ حسن المصطفوي، مادة: رمض». يقول عبد الكريم العمري في ”صفحات رمضانيّة“ «2001م»: ”وقيل: إنَّ زمن فرضه وتشريعه وافق شدة الحر. وعلل بعضهم هذه التسميَة بخاصيّة رمضان، فإنه يرمض الذنوب ويحرقها، فلا يُبقي منها شيئا، وروي هذا عن ابن عمر رضي الله عنهما وغيره، وجاء حديث بهذا المعنى ولا يصح“ ص «13». نعم، ببركة القرآن الكريم الذي نزل فيه، وبعظمة فريضة الصوم والقيام فيه وعظمة ليلة القدر جعلته شهرًا ذا خصوصيّة تميّز بها عن باقي الشهور عند المسلمين الذين يتبادلون التبريكات والتهاني لشهوده، أمّا التأويلات والمعاني المضافة لا علاقة لها بأصل الاسم «رمضان» ومعناه، بل بإيحاءات مآله الحادث[3] .

[1]  أسماء شهور السنة في الجاهليّة قبل تغييرها هي: مؤتمر، ناجر، خوّان، وبصان، الحنين، رُبى، الأصم، عاذل، ناتق، وَعل، ورنة، بُرَك، الميمُون.

وفي شهر ناتق قال المفضّل:

وفي ناتِقٍ أَجْلَتْ لدى حَوْمَةِ الوَغَى.... ووَلَّت على الأَدْبَارِ فُرْسَانُ خَثْعَمَا

يقول ابن فارس في ”معجم مقاييس اللغة“، امرأةٌ ناتق: كثُرَ أولادُها، كما في قول الشاعر:

لم يُحرَموا حُسْنَ الغِذاءِ وأمُّهُمْ.... دَحَقَتْ عليك بناتِقٍ مذكارِ

والمذكار، المرأة التي كُلُّ أولادها ذكور، ويطلق على الرجل أيضًا، والمذكار الأرض التي تنبت ذكور البقل.

[2]  بمعنى أنّه مع دورة الأزمنة يأتي في أيٍّ من الفصول الأربعة «الشّتاء، الرّبيع، الخريف، الصّيف».

[3]  حتّى أن البعض يمنع أو يُخطّيء ذكر ”رمضان“ دون كلمة شهر، وهذا لا يدعمه استعمال العرب «انظر تفصيله في: ”تاج العروس“ لمرتضى الزبيدي، وفيه ذكر أمور أخرى مرتبطة بهذه المفردة».
تاروت - القطيف