آخر تحديث: 22 / 11 / 2024م - 1:35 ص

فائدة لغوية «57»: ”البَتُول..عمق الأصل وسمو الدلالات“

الدكتور أحمد فتح الله *

البَتُول في المعاجم

تتفق المعاجم العربية في أمرين حول هذة المفردة:

الأول: أصلها، فأصل بتول هو الفعل بتل، بتل الشيء: قطعه، أبانه عن غيره، وبتل العلاقة قطعها.

والثاني: معناها، وهو معنى مشتق انتزاعًا من ”البتل“. فالمرأة البتول تعنى العذراء، والتي انقطعت عن الزواج، وهو في الأصل مختص بالسيدة  ”مريم العذراء“ ،  فهي معروفة بلقب البتول لدى النصارى، وذلك لانقطاعها عن الزواج بسبب تبتلها «التفرغ إلى عبادة ربها»،  وحيث رزقها الله تعالى بالسيد المسيح  وهي عذارء لم يمسسها رجل من البشر.

وقد سحب المسلمون، كما تذكر المعاجم العربيّة، مثل ”لسان العرب“، و”التهذيب“، لقب البتول على فاطمة ابنة النبي محمد ﷺ، وتبرير ذلك: ”انقطاعها عن نساء أهل زمانها ونساء الأُمة عفافاً وفضلاً وديناً وحسباً، وقيل لانقطاعها عن الدنيا إِلى الله عز وجل“ «لسان العرب: بتل»، وقيل ”تشبيهًا بها [يعني مريم ] في المنزلة عند الله تعالى،  قاله الزمخشري“ «تاج العروس» [1] .

البَتُول: وقفة تأثيلية

تصّر المعاجم العربية وكتب التفسير، ومعاجم الأسماء العربية على أن أصل كلمة بتول عربية ومشتقة من الفعل بتل، وجذر اشتقاقاته «ب ت ل»، وتعني المرأة التي انقطعت عن الرجل فبقيت عذارء، في حين أنّ صيغة ”فعول“ من ”بتل“ بهذا المعنى فيها تكلّف، وهي لا تعدو أن تكون تعريبًا للمفردة الأصليّة العبريّة والسيريانيّة بالمعنى الأصلي لها، المذكور آنفًا، ثم مع مرور الزمن ظُنّت أنها من الجذر «ب ت ل» وتمّت إضافة حمولاته لها أيضًا «انظر فقرة دلالات الاسم أدناه».

”مَريَم العَذْراء“   «في العبرية:  מרים הבתולה  ”مِريَم هَبِتوله“، وفي السريانيّة:  ܣܘܪܝܝܐ  ”مِريَم بثولتا“ وفي اليونانية: Παρθένος Μαρία برثينوس ماريا»  هي أم يسوع الناصري [عيسى ابن مريمٍ]، الذي ولدته،  في عقيدة المسيحيّة، ”ولادة عذريّة“، كحملها العذري دون تدخل رجل[2] ، وبقت ”دائمة البتوليّة“ في نظر المسيحيّة الأرثدوكسيّة، تأكيدًا على عفتها وطهارتها الملازمة للإصطفاء الرباني[3] .

بتول: دلالات الاسم والصفة[4] 

- الَّتزَيُّن: يقال للمرأة إِذا تزينت وتحسنت إِنها تتبتل، كما إِذا تركت النكاح تبتلت «لسان العرب». 

- التَّمَيُّز: البَتْل تمييز الشيء من غيره «لسان العرب». 

- الاستغناء عن الغير: المبتل،  الفسيلة انفردت واستغنت عن أمّها «النخلة».  وبهذا البتول:  تكون المنفردة المستغنية عن غيرها مما تحتاج إليه «لسان العرب».

- العفة: يقال: ”هو شابٌّ بَتُول“ لمَن عاش في عِفَّة تامَّة «المعجم الوسيط، ومعجم اللغة العربية المعاصرة».

- الوقار: حسب معجم أسماء العرب، موسوعة السلطان قابوس للأسماء العربية. [5] 

- الإخلاص: مِن بتل عمله: أخلصه، وبتَّل عملَه للَّه أَخْلصه من الرِّياء «معجم اللغة العربية المعاصرة» فاسم البتول يحمل معنى: المُخْلِص «مُذَكّر» والمُخْلِصَة «مُؤنّث» [6] .

 


[1]  أمَّا ما جاءت به بعض الروايات في الحديث والتراث، من معانٍ أو أسبابٍ لوصف فاطمة بالبتول، والألقاب الأخرى، لا بد من تجليّة فكرتها ودراسة حقيقتها بمنهجيّة علميّة تجمع علم الدرايّة وعلم اللغة، أي إخضاعها لمقاييس البحث السندي والدلالي، بما فيه من إمكانيّة التطور الدلالي للألفاظ. أقول هذا لأنها وصفت بالوضع والغلو، وافتقاد الأدب والحشمة، واحترام الخصوصيّة. وأتمنى أن يوفقني الله أو يوفق غيري لهذه الدراسة لأهميتها المعرفيّة والعقائديّة. وحتى ذلك الحين أرى من الأفضل التريث والحذر في التعاطي مع أكثرها.

[2]  ذكر القرآن الكريم هذا الحمل وقصة مريم «عليها وعلى ابنها السلام» في سورة ”مريم“.

[3]  الجدير بالذكر أنّ البتوليَّة في الأساطير القديمة كانت فضيلة ورمز النقاء وضبط النفس «موقع مرياما دوت كوم».

[4]  مستقاة من مادة بتل في المعاجم العربيّة

[5]  الوقار يعني: الرَّزانَة والحِلْم. وفي كتاب ”تهذيب الاخلاق“ للجاحظ هو الإمساك عن فضول الكلام والعبث، وكثرة الإشارة والحركة، فيما يستغنى عن التحرك فيه، وقلة الغضب، والإصغاء عند الاستفهام، والتوقف عن الجواب، والتحفظ من التسرع.

[6]  لعل هذا المعنى هو أقرب في تفسير ”التبتل“، كما في قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً «المزمل: 8»، من بتَّل إلى الله: تفرَّغ لعبادته، وانقطع عن الدنيا إليه، إذ هو متناسق مع ”مقاييس“ أحمد بن فارس حيث التبتل هو إخلاص النية لله والانقطاع إليه.
تاروت - القطيف