فائدة لغوية «23»: السُّمْك والعُمْق
مفردتان في القرآن الكريم، وردت كل منهما مرة واحدة فقط، الأولى كاسم «سُمك»، والثانية كصفة «عَميق».
السُّمْك: مسافة بين أسفل الشيء وأعلاه، ويراعى فيه البدء من الأسفل إلى الأعلى، فإن نظر إلى البدء من العلو قيل عُمْق. وشيء سَّميك: غليظ، ثخين، عكس رقيق. والسميك من الأشياء: المرتفع، العالي «معجم الرائد: سمك». ويأتي السُّمك بمعنى السقف «معجم ألفاظ القرآن الكريم، مجمع اللغة العربية: س م ك»، وفي الآية: ﴿ءأنتم أشد خلقا أم السماء بناها * رفع سمكها فسواها﴾ «النازعات: 26-27»، أي جعل المسافة بين الأرض والسماء بعيدة مديدة، أو جعل سقفها مرفوعًا بعيدًا عن الأرض «عاليًّا».
العُمْق: هو البعد سفلاً، أي من أعلى إلى أسفل، ولهذا يقال بئر عميق، أي بعيد القعر، وفي الطريق بمعنى البعد امتدادًا، فطريق عميق أي بعيد، أو طويل «المسافة»، ثم استعمل في المعنويات فقيل ”تَعَمَّق في كذا“، أي ذهب بعيدًا فيه. وعميق بمعنى بعيد قالها الشاعر الشمّاخ الذبياني [1] :
نَظَرتُ وَسَهبٌ مِن بُوانَةَ بَينَنا.... وَأَفيَحُ مِن رَوضِ الرُبابِ عَميقُ
إِلى ظُعُنٍ هاجَت عَلَيَّ صَبابَةً.... لَهُنَّ بِأَعلى القُرنَتَينِ حَريقُ
فَقُلتُ خَليلَيَّ اُنظُرا اليَومَ نَظرَةً.... لِعَهدِ الصِبا إِذ كُنتُ لَستُ أَفيقُ
وجمع عُمق: أَعْمَاق، وأعماق الأرض: نواحيها، ومنها: أَعْمَاق الْقَلْب أي دواخله، وعبارة: ”أُحَيِّيكَ مِنْ أعماق قلبي“ أي بإخلاصٍ شديد مني. وفي الأية الكريمة: ﴿وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالًا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق﴾ «الحج: 27» [2] ، فَجِّ عميق: أي طريق بعيد، حيث أن:
الفجّ: من الحسي، هو الفرجة بين الشيئين، كالرجلين أو غيرهما، وكذلك: الفرجة بين جبلين أو في جبل تستخدم للعبور [3] ، فصارت تطلق على الطريق الواسع، والجمع فِجَاج، وجاءت مرتين في القرآن: ﴿وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم وجعلنا فيها فِجاجًا سُبُلا لعلهم يهتدون﴾ «الأنبياء: 31» [4] ، وكذلك في: ﴿والله جعل لكم الأرض بِساطاً* لتسلكوا منها فِجاجًا سُبُلًا﴾ «نوح: 19-20» [5] .