فائدة لغوية «20»: التَّوَصُلِيَّات
التَّوَصُلِيَّات هي مفردة في علم أصول الفقه، وهي مرتبطة بأبحاث العبادة والواجب، وقصد القربة، وغيرها، وقد سئلت عنها عدة مرات من بعض المتابعين لأمور الفقه وكتبه وألفاظه في الرسائل العملية لمراجع التقليد وغيرها. هذا الأمر دفعني إلى أن ألقي عليها نظرة سريعة يكون فيها الفهم وزوال الالتباس الذي قد يثيره التعريف الموجود في "معجم ألفاظ الفقه الجعفري، في طبعته الثانية، دار المرتضى، بيروت - لبنان، 2017م، «إعداد الكاتب».
التَّوَصُلِيَّات لغة من التَّوصُّل، وهو مصدر «أي اسم من» تَوَصَّلَ، توصَّلَ إلى يتوصَّل، تَوصُّلاً، فهو مُتوصِّل، والمفعول مُتوصَّل إليه،
- وتَوَصَّلَ إلَيْهِ: اِنْتَهَى إلَيْهِ وَبَلَغَهُ،
- تَوَصَّلَ إلَيْهِ بِوَاسِطَةِ سِمْسَارٍ: تَوَسَّط، تَقَرَّبَ، تَوَسَّلَ «معجم المعاني الجامع»
- وتَوَصَّلَ إليه أي تلطف في الوصول إليه والتَّوَاصُل ضد التصارم ووصَّله تَوْصِيلا إذا أكثر من الوصل ووَاصَلَه مُوَاصَلَةً ووِصَالا ومنه المُوَاصَلَة «مختار الصحاح للرازي» بمعنى التتابع وعدم الانقطاع.
- في حين أن أوصلَ يُوصل، إيصالاً، فهو مُوصِل، تأتي بمعنى قاد، فأوْصَلَهُ إلَى البَابِ: قَادَه، لاَ يُوصِلُ هَذَا الطَّرِيقُ إلَى بَابِ الْمَدِينَةِ، لا يُؤدٍّي إليه، أي لا يأخذ إليه، وأوصله إلى برِّ الأمان: أبلغه، أو أخذه إلى الأمان. وأوْصَلَهُ واتَّصَلَ: لم يَنْقَطِعْ «معجم المعاني الجامع»
- وصَّل الشَّيءَ بالشَّيءِ لأَمَهُ، وربطه به «معجم اللغة العربية المعاصر»
وهذه المعاني حكى بعضها الشعراء، وهم كثيرون، اخترت التالي:
⁃ فما ليَ منْ وصلٍ سوى ما ذكرتُهُ.... ففقري وذلي فيهِ عينُ التَّوصُّلِ «محيي الدين بن عربي»
⁃ وصلاتٍ من نداه اتَّصلتْ.... والنَّدى أَعْذَبُه ما اتّصلا «عبد الغفار الأخرس»
⁃ فتواصلوا حتى كأن.... عقد التواصل بينها أرحاما «لسان الدين الخطيب»
بناءً على ما تقدم أستطيع أن أقول، حسب فهمي القاصر، إن التَّوَصُلِيَّات لغة يراد بها كل ما به بُلْغَةُ المرء إلى مطلبه «أمر ما أو شخص ما»، بالتَّوَسُط، أو التَّوَسُّل أو التَّلطف في الوصول إليه. وهي توحي بالتَّقَرُّب إليه، بالتَّوَاصُل والتتابع وعدم الانقطاع، بما يُنْشِئ ربطًا بين الطالب والمطلوب.
العِبَادَات، جمع عِبَادَة، ويراد بها: الأمور التي أمر الله سبحانه وتعالى بها واشترط أن يؤتى بها بنيَّة القربة إليه سبحانه وتعالى، فلا تقع صحيحةً إلا بالنية كالصَّلاة والصِّيام، والاعتكاف، والحج، والعمرة، والزكاة.
ويقابل العبادات ”التَّوَصُلِيَّات“، وهي الأمور التي أمر الله بها بلا شرط نيَّة القربة؛ فيكون المكلَّف بالخيار إن شاء أتى بها من أجله سبحانه وتعالى وإن شاء أتى بها بدافع من دوافعه الخاصة، وهي في الحالتين تقع صحيحة وكافية، أي أن المقصود بها شرعًا مجرد التَّوصل إلى فوائدها بدون اشتراط نية مخصوصة في أدائها، ومن التَّوَصُلِيَّات واجبات ومستحبات كتطهير البدن والملابس من النَّجاسة، والإنفاق على الزوجة والأقارب وصلة الرحم وتعليم الأحكام وقراءة القرآن وتكفين الأموات ودفنهم ووفاء الدَّيْن وأداء الأمانة ونصح المستشير وبر الوالدين ورد السلام ودفع الظلم عن المظلوم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإنقاذ إنسان من مهلكة كحريق أو غرق، إلى غير ذلك.
في الختام، كما أن للتَّوَصُلِيَّات مدلولها العقائدي، لها مدلولاتها التربويّة والاجتماعية والنفسية، لذا أتمنى أن يتصدى أحد الباحثين لدراستها، فهي ”مَنْجَمٌ“ أكبر من أن يَلُّمَ بمعارفه معجم.