فائدة لغوية «2»: ”خلا لكِ الجو فبيضي واصفري“
”خلا لكِ الجو فبيضي واصفري“ مثلٌ ماتعٌ نافعٌ، من أشهر الأمثال عند العرب، يضرب لمن يخلى بينه وبين حاجته. خلا له الجوّ: انفسح له المجال، انفرد بالشيء. وأخلَى فلان: صار في موضع خالٍ لا يُزَاحَمُ فيه. وأصل المثل مِنْ بيتِ شِعْرٍ عربيٍّ أصيل.
الشاعر الجاهلي طرفة بن العبد. ”العقد الثمين: 185“
يذكر الميداني في ”معجم مجمع الأمثال“ ”234 - 235“ أن طرفة وهو صبي كان مع عمه في سفر، فنزلوا على ماء، فذهب طرفة بفخيخ له، فنصبه للقنابر، وبقي هناك ينتظر، ولما لم يصد شيئًا حمل فخّه ورجع إلى مكان عمه وربعه، وقد تحمّلوا منه، ورأى القنابر هناك يلقطن ما نثر لهن من الحَبّ، فأنشد:
يالكِ من قنبرة بمعمر.. خلا لكِ الجو فبيضي واصفري..
ونقري ما شئت وتنقري.. قد رحل الصياد عنك فأبشري..
ورفع الفخ فماذا تحذري.. لابد من صيدك يومًا فاصبري..
يروى أنه لما خرج الحسين بن علي ”عليهما السلام“ من مكة إلى العراق ضرب عبد الله بن عباس ”رضيّ الله عنهما“ بيده على منكب عبد الله ابن الزبير ”رضيّ الله عنهما“ وقال:
يا لك من قبرة بمعمر ** خلا لك الجو فبيضي واصفري
ونقري ما شئت أن تنقري ** هذا الحسين سائر فأبشري.
خلا الجو والله لكَ يا بن الزبير. ”شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج 20 - الصفحة 134“
1. طرفة بن العبد، من شعراء ما قبل الإسلام المعروف بالعصر الجاهلي، واسمه عمرو بن العبد، أمّا طرفة فهو اللقب الذي اشتهر به، وُلد في البحرين في عام 543م، وتوفّي مقتولًا في عام 569م لذا يعرف أيضًا بِ ”الغلام القتيل“. مما تميز به شعره الحكمة، والتحدث عن حياة الناس. وقد عاش طرفة بن العبد حياةً أسرية قلقة، منها استيلاء أعمامه بعد وفاة والده على أمواله.
2. الماء: البئر، وتقول العرب ”نزلنا على ماء بني فلان“، أي على بئرهم.
3. الفخيخ: تصغير فَخّ، والجمع فِخاخ وفُخوخ. وهو مِصْيَدة، أداة ذات لولب تُصاد بها الطيور والقوارض، والحيوانات الثَّدييَّة الصَّغيرة. وللبشر الفخ هو خُدعَة أو طريقة ملتوية لوضع شخصٍ ما في أزمة أو خطر.
4. القنابر: جمع قُنبُرة ”قُبَّرة“ طائر من فصيلة القُبَّريَّات، يقتات من الحشرات والبُذور البَرِّيَّة، وهو صغير القدّ، مستطيل الجناحين، دائم التَّغريد، يعيش في معظم البلاد الحارّة والمعتدلة.
5. تحمَّلوا من المكان: ارتحلُوا.
6. تحذري: أصلها تحذرين، أي تأخذين الحذر والاحتياط، حذفت النون لأجل القافية.