آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 7:28 م

الوظيفة؛ التطبيق والإنتاج

طه الخليفة

في مقالتنا السابقة، ”الوظيفة؛ عالمٌ جديد“، تطرّقنا إلى موضوع التّحوّل من العالم الأكاديمي إلى العالم الوظيفي، والصعوبات المتعلّقة بذلك التحؤل. كذلك أوضحنا أن الحياة المهنيّة تتكوّن من ثلاث مراحل:

1 - التعلّم والإعداد،
2 - التطبيق والإنتاج،
3 - الإتقان والإبداع.

وتناولنا أيضاً السلوكيّات المحمودة، التي ننصح بالتحلّي بها لاستثمار المرحلة الأولى، ووضع الأساس الصحيح للتطوّر والتقدّم المهني.

في حديثنا هنا، سنتناول المرحلة الثانية، وهي التطبيق والإنتاج، محاولين أن نوضّح ما هو المحدّد لبدايتها، مميّزاتها، وأهدافها، والمحاذير التي يجب تجنّبها، لكي لا تعيق عملية التطوّر المهني. لعلّنا نوفّق لنضع قنديلاً آخر في طريق الجيل الصاعد إلى المهنيّة والنجاح.

بداية مرحلة التطبيق، والإنتاج:

كل وظيفة تتطلّب مهارات محددّة، مرتبطةً ببعضها البعض، كالأجزاء المركبّة، والمتداخلة لتكوّن الجسم المعرفي، والفنّي القادر على حمل أعباء الوظيفة، ومتطلباتها، والسير بها من البداية إلى النهاية. يتم تطوير هذه المهارات لدى الموظّف في المرحلة الأولى ”التعلّم والإعداد“ إلى أن تصل إلى الحد المطلوب، وهو القدرة على أداء المهام الوظيفيّة باستقلالية. إنها عملية تشابه إلى حدٍّ كبير تطوير مهارة القيادة للمركبات، حيث يتم إعداد الفرد نظريّاََ، وتطبيقيّاََ لاجتياز متطلّبات الحصول على رخصة القيادة.

في قيادة المركبات، الحصول على رخصة القيادة لا يعني أن الفرد قد أتقن فنون القيادة، وإنما يعني أنه حقّق المستوى الأدنى المطلوب للقيادة الآمنة. كذلك في العالم المهني، اكتساب الحد الأدنى من المهارات يعني أن الموظف أصبح قادراً على أداء الوظيفة بحدّها الأدنى، وهذا هو الحد الفاصل بين المرحلتين، الأولى، والثانية في الحياة المهنيّة. ونذكّر هنا بأهمية خطة التطوير المهني، التي تطرّقنا لها في مقالتنا السابقة المذكورة في المقدّمة، وأهمية أن تحتوي على المهارات العلميّة، والتطبيقيّة، والمهارات الاجتماعية المتعّلقة بالذكاء العاطفي.

أهم مميّزات، وأهداف مرحلة التطبيق والإنتاج:

1 - الإستقلاليّة المتدرّجة: يؤدي الموظّف هنا مهامّه باستقلاليّة، تحت إشراف الرئيس، وتقل حاجته للإشراف على عمله تدريجيّا مع تقدّم الموظف في صقل المهارات، وكسب الخبرات.

2 - إتّساع الأفق: يطوّر الموظّف في هذه المرحلة القدرة على استخدام مهاراته على نطاق أوسع، وعلى أداء المهام الأكثر تعقيداً من حيث الحجم، والكميّة، والتّداخل فيما بينها.

3 - العمل المشترك: يتولّى الموظف هنا مهاماً، تكون جزءاً من عملٍ أكبر، ويقوم بالتنسيق، والتعاضد مع أعضاء فريق العمل الآخرين، للحصول على المنتج النهائي.

4 - النظرة الشاملة: يطوّر الموظّف هنا فهماََ لعمل المؤسسة ككل، وماذا يشكّل عمله من هذا المجموع، وتأثير أدائه، أو أداء فريقه على منظومة العمل الكبرى، ونتائجها. كذلك، يطوّر فهماََ أعمق للهدف وراء أداء العمل بكيفيّة معيّنة، ووراء اللوائح الإداريّة، والتنظيميّة، والقياسيّة.

5 - المبادرة والابتكار: يقدِم الموظف على اقتراح، وقيادة بعض المبادرات لإضافة القيمة للإدارة، والمؤسسة، التي يعمل بها، وهذا يساهم في تنمية روح الابتكار للمرحلة القادمة.

6 - الذكاء الاجتماعي، أو العاطفي: يكوّن الموظف كاريزما خاصّة به، تأخذ بعين الاعتبار الروح، والطريقة، والقيم، التي تدار بها المؤسسة، ليسخّرها لصالح المؤسسة.

7 - المعيار العالمي: يجب أن يكون معيار القياس للكفاءة معياراً عالميّاً، فمن الأفضل لصاحب المهنة الحصول على إجازات عالميّة في مجال تخصصّه، فالعالم قريةٌ صغيرة، والمنافسة تشتدّ مع مرور الزمن.

بعض المحاذير في مرحلة التطبيق والإنتاج:

1 - الثقة المُفرطة: إن إكمال مرحلة التعلّم والإعداد لا يعني الإتقان، فالحاجة للتعلم، والتطوّر باقية، بل أشدّ إلحاحاً.

2 - الاكتفاء والانكفاء: إن أخطر ما يمكن أن يقع فيه الفرد، هو التوقّف عن التطّور، لأن ذلك سيقوده إلى الخلف، بينما العالم والآخرون يتقدّمون.

3 - ربط قيمة النفس بالأجر، أو المسمى الوظيفي: إن قيمة الإنسان ما يتقن، وليس ما يتقاضى، أو يُنعت به، والمجتهد سيتفوّق ولو بعد حين.

4 - التنمية الجزئية: أن يصبّ الموظف تركيزه على بعض المهارات، ويترك أخرى، لأنها غير محببة، أو لأنها لا تستقطب الاضواء، فهذه هاوية يقع فيها صاحبها لاحقاً.

5 - الاعتماد على الغير: قد يظن البعض أن الاعتماد على وسائل غير الحرفيّة والانتاجية، أنجع، وأسرع لتحقيق المآرب، وهذا ظن خاطيء، يؤدي بصاحبه إلى الضعف، وعدم القدرة على الإنتاج، والمنافسة.

نأمل ان نكون قد وفّقنا في هذه العجالة على أن نلفت النظر إلى طريق الظفر، وأن نزيح العثرات بتوجيه الحذر، ولنتذكّر دائماً أن كلّ مرحلةٍ هي إعدادٌ للمرحلة التي تليها، وأن قمة العطاء تكون في المرحلة الثالثة، ونختمُ بقوله تعالى: ﴿وَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى‏ شَيْ‏ءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى‏ مَوْلاهُ أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَ مَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ هُوَ عَلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ، صدق الله العظيم.