القرآن والإبداع في الفنون «6»
- والقرآن الكريم لم يهمل التأملات الجمالية بل أعطاها حيزا مهما في التعليم والإرشاد الجماعي والفردي لجمال الطبيعة ”ارتبط الفن التشكيلي بالدين منذ أقدم العصور، واكتسب قيماً منه بقدر ما اكسبه الدين رصانةً وإحكاماً“ [1]
لهذا نتلمس آيات كثيرة ترشد الإنسان إلى الجمال والتأمل في مخلوقات الله،
”فالقرآن يزخر بالآيات التي تلفت الأنظار إلى ما في الكون من أنظمة“ [2] كما ذكر مخلوقات كثيرة ومنها السماء قال تعالى ﴿أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ﴾[3] فالنّظر إلى السماء بما تحمل من كواكب ونجوم وتكوّن للسحب والتغيرات الطبيعية مصدر إلهام لكل من يحاول سبر أغوار الفلك، وكذلك مصدر للتأمل في الكون الرحب بكل شموله واتساعه «وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ» [4] .
وكذلك التكامل الطبيعي بين الإنسان والبيئة ثم مع الفنون نفسها كالاهتمام بنوعية الألوان واستخداماتها بين المجتمع، ”يقول تولستوي Tolstoi “ [5] إن الفن هو إحدى وسائل الاتصال بين الناس فإذا كان الإنسان ينقل أفكاره إلى الآخرين عن طريق الكلام فإنه ينقل انفعالاته وعواطفه إلى الآخرين عن طريق الفن. [6]
وأرشد لمكامن الجمال والزينة في طبيعة الأرض من جبال وأنهار وخاصة الخضرة التي هي محيطة بكل إنسان تقريبا وحتى في منزله فإذا استطاع أن يتمكن من التواصل معها فإنه يحصل على الراحة النفسية والاجتماعية والروحية.
يروى عن النبي ﷺ: «إن الله يحب إذا خرج عبده المؤمن إلى أخيه أن يتهيأ له وأن يتجمل.» [7]
وأرشد حتى للاهتمام لبعض الحيوانات لما لها من جمال وزينة قال تعالى: ﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾[8] ﴿وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ﴾[9] قال الإمام علي : «ليتزين أحدكم لأخيه المسلم إذا أتاه كما يتزين للغريب الذي يجب أن يراه في أحسن هيئة» [10] . ويروى: التجمل من أخلاق المؤمنين[11] ، وعن الإمام الصادق : «إن الله يحب الجمال والتجمل ويكره البؤس والتباؤس، فإن الله عز وجل إذا أنعم على عبد نعمة أحب أن يرى عليه أثرها» [12] .
”يعتبر القرآن الكريم، كل ظاهرة من ظواهر هذا الكون آية على وجود الله سبحانه، ويؤكد في آيات عديدة على التفكر والتعقل في آيات الله تعالى، حتى يدرك الإنسان من خلال جمالها وعجائبها ونظمها وتناسقها وجود الله العالم القدير“ [13]
”وهنا نتفهم دور الإنسان ضمن إطار المسؤولية التي تدفعه دوما إلى الأمام، فالإنسان المسؤول هو الذي يتحسس ما عليه الواقع من إشكالات وأزمات، في صورتها الفردية والاجتماعية“[14] قال تعالى: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾[15]
”وهكذا يدعو القرآن الكريم المسلم إلى التأمل والتدبر في إبداعات الخالق فتقوى صلته به وتزداد حاسته الجمالية، وكما قال ميكائيل أنجلو[16] : إننا لا نصور بأيدينا ولكن بعقولنا، ومعنى هذا أن الفنان يعبر عن الصور التي أبدعها خياله والرؤى التي تكونت داخله فجاء تعبيره عنها موضوعيا أو حسيا“ [17]
كما أن الإنسان يحب أن يتعرف على ما حوله وكيفية خلقه، فقد بين القرآن بعض الأمور ليستطيع أن يبني على ذلك فنونه وعلومه وأصل خلقته. ”كما دعى القرآن الكريم الإنسان أن يتأمل في أصل خلقته وكيفية تكوينه والأجهزة التي ينطوي عليها جسده، فضلا عن الكون وما يحويه من عجائب وغرائب.“ [18] قال تعالى: ﴿يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ﴾[19]
”لأن الإسلام مشروع حضارة، ودين علم ومعرفة، فقد أولى وسائل العلم وأدوات الثقافة، كل اهتمام ورعاية، لذا أشاد القرآن الكريم بالقلم والكتابة، وجعله عنوانا لسورة من سوره وهي سورة القلم التي أقسم الله تعالى في مطلعها بالقلم والكتابة ﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ﴾[20] كما أن أول آيات القرآن نزولا على رسول الله ﷺ كانت دعوة إلى القراءة وتذكيرا بنعمة القلم ودوره في تعليم الإنسان، كأعظم نعمة على الإنسان بعد نعمة خلقه وإيجاده. يقول تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ «1» خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ «2» اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ «3» الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ «4» عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ «5»﴾[21] [22]
كما أنه يعطي الفكر والمخيلة لتتدفق بالصور الذهنية كالتشبيه والتمثيل والتصور وما يحصله للظالم في جهنم وما يلقاه المؤمن في الجنة، لمكامن الجمال في الدنيا والآخرة وما يلقاه الإنسان من جزاء وعقاب. ”بعض الموارد يأتي الكتاب العزيز - القرآن - بصدد ذكر الأمثال تكثيرا للعبرة وتأكيدا للتربية وهذه الأمثال تتناول الظواهر الكونية أو الأحداث الطبيعة أو الزوايا التاريخية ويمتاز القرآن الكريم بأن الأمثال هذه لا تتناقض مع العلوم الثابتة، وإن كان ذكرها في القرآن يأتي عفويا، فالقرآن يقول: ﴿وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً﴾[23] ولكنه استخلص من هذا القول نتيجة تربوية ويضيف ﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾[24] ونحن نقدر أن نقول بكل ثقة واعتزاز أن جميع الأمثال القرآنية مؤيدة من العلم الحديث دون استثناء وهذا يدل على أن ألفاظ القرآن الكريم وحي إله مثل معانيها وليست من تأليف شخص يحدد مستوى ثقافته بعصره مهما ارتفع هذا المستوى.“ [25]
ففي ساحة الفنون التشكيلية وهو محور الدراسة يتساءل الجميع، وأنا أحاول أن أبدي بعض الإبداع الجمالي لما ذكره القرآن في الفنون التشكيلية.
”بالتأكيد ما ذكر للقرآن صحيح وأكيد، فالمصحف الشريف لديه إبداعات في مختلف الفنون كاللغة والبلاغة والمعاني وغيرها من العلوم بالتلميح والتصريح أو التأويل والتفسير، والقصص وامتاز قصص القرآن الكريم بسمو غاياته،... واشتمل على فصول في الأخلاق مما يهذب النفوس.“[26]