القرآن والإبداع في الفنون «1»
لا أحد ينكر فضل القرآن وأهميته، وأنه معجزة رسول الله ﷺ وخاتم أنبيائه محمد ﷺ وأنه من أهم ما حصلت عليه هذه الأمة من تراث صادق أصيل به علم الأولين والآخرين.
قال الإمام علي : «ذلك القرآن فاستنطقوه ولن ينطق ولكن أخبركم عنه، ألا إن فيه علم ما يأتي، والحديث عن الماضي ودواء دائكم ونظم ما بينكم» [1]
هناك رؤى جمالية في القرآن تصور المخلوقات وتبرز جمالياتها وروائعها للإنسان كعبرة، وسمو الخالق في صنع كل ذلك ليتعلم ويبدع في رؤاه واكتشافاته واختراعاته كما قال تعالى ﴿أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا﴾[2]
”هناك التناسق الذي يبلغ الذروة في تصوير القرآن، منه التنسيق في تأليف العبارات بتخير الألفاظ، ومنه ذلك الإيقاع الموسيقى الناشئ في تخير الألفاظ ونظمها في نسق خاص، ومنه التسلسل المعنوي بين الأغراض في سياق الآيات والتناسق في الانتقال من غرض إلى غرض.. ويظهر ذلك عبر تنمية الجمال من خلال المشاهد الطبيعية الخلاب كواحد من الأدلة على قدرة الله تعالى“ [3]
وكثير من الأقوام الذين ذكرت قصصهم لا يشك الباحثون بعد اكتشافهم آثارهم أن القرآن كان عين الصواب. ”ومن القرى من صرح الله أنها كانت كثيرة الظلم للناس وخاصة في قوتهم ومعايشهم وبطشهم بالمستضعفين فحق عليها العذاب، ومنها من اعتدى على الأنبياء والصالحين وقتلوهم والكثير من المخالفات، وفي عرض هذه الأخبار وجدنا الكثير من خوارق العادة والتي ذكرت في القرآن صراحة لا يشوبها شك.“ [4]
ومن محاسن ما ذكره القرآن فنون وعلوم بعض الأقوام مما برعت فيه وتباهت به على غيرها ولكن قدرة الله فوق كل قدير فبعث لهم من يتفوق عليهم في كل ما قدروا عليه. ”جاءت بعض معاجز الأنبياء وفق الفن الذي برعت فيه أقوامهم فمثلا معجزة العصا التي جاء بها النبي موسى كانت أشبه ما تكون بالسحر الذي برع فيه أهل مصر آنذاك، وقد جاء النبي عيسى بمعجزة وافقت الفن الذي برع فيه أهل عصر هو الطب، فكان إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى وهي المعجزة الكبرى التي لم ولن يصل إليها أحد مهما برع في هذا الفن، كذلك كانت المعجزة الأبرز التي جاء بها النبي الخاتم ﷺ، فقد كان العرب بارعين في فن الكلام والفصاحة، فجاء بالقرآن الكريم متحديا لفصاحتهم تحديا مفتوحا إلى قيام الساعة.
تميز القرآن الكريم كمعجزة عن سائر المعاجز بأنه المعجزة الوحيدة الخالدة من بين جميع المعاجز التي جاء بها الانبياء والمرسلين “ [5] بدأ التحدي بأن يأتوا بمثل القرآن الكريم قال تعالى: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾[6]
ولما لم يستطيعوا ذلك نزل بالتحدي إلى الإتيان بعشر سور مثله، قال تعالى: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [7] فما استطاعوا ذلك أيضا، فنزل بالتحدي إلى أن يأتوا بسورة من مثله، قال تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾[8] والنتيجة: ﴿فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾[9] [10]
”كل ذلك التأكيد على الهداية من الضلال، وما يتوفر من طاعة الله والإيمان به لأنه أعطى العبد كل ما يحتاج إليه، والواقع أن الحماية التي توفرها التقوى للمؤمن، هي مصداق من مصاديق ولاية الله له وهو من الآثار التي أكد عليها القرآن الكريم بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا ﴾[11] والمؤمن في ظل هذه الحصانة يعيش تجربة ذاتية وفيضا يغمره وهداية تلاحقه وحياة أخرى أرقى من حياته المعتادة التي يحياها الآخرون.“ [12]