آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 9:39 م

ميزان الخصومة

محمد أحمد التاروتي *

التطرف في الخصومة والغلو في الصداقة، من الممارسات الشائعة في مختلف العلاقات الإنسانية، حيث تظهر في اتخاذ المواقف المتباينة تجاه مختلف القضايا والأزمات، فالخصومة تدفع البعض لاتخاذ مواقف معارضة بعيدا عن ”الإنصاف“ أو عدم الاعتماد على الحقائق، حيث تصل إلى مرحلة ”الفجور“، انطلاقا من سوء العلاقات القائمة مع تلك الأطراف، بينما تكون المواقف المساندة سيدة الموقف تجاه الصديق، انطلاقا من العلاقة القائمة بين الطرفين، بحيث تتجلى في التأييد التام بغض النظر عن الحيثيات، والملابسات المتعلقة بنشوب تلك الأزمات.

انعدام القدرة على الفصل بين العلاقات الإنسانية والقيم الأخلاقية، يقود إلى الكثير من المشاكل على الصعيد الشخصي والاجتماعي في الوقت نفسه، فالبعض ينطلق في تبني المواقف من العلاقات القائمة مع الأطراف الأخرى، فإذا كانت حسنة وحميمية، فإنها تنعكس بصورة مباشرة على التأييد الكامل، وتسخير جميع الإمكانات في سبيل الانتصار لموقف الصديق، بينما تكون المعارضة والرفض التام السبيل المتبع تجاه الخصوم، بحيث يتم استبعاد القيم الأخلاقية، والعمل تحييد المبادئ الفاضلة تماما، الأمر الذي يتسبب في بعض الإشكالات على الصعيد الشخصي أولا، والاجتماعي ثانيا، فالمواقف المؤيدة للأصدقاء والرافضة للخصوم، تارة تخلق مشاكل على الصعيد الشخصي، جراء انتهاج سياسات غير عقلانية، وبعيدة عن المنظومة الأخلاقية، وتارة تتسبب في إحداث أزمات اجتماعية، نظرا للتداعيات المترتبة على تلك المواقف، خصوصا وأن بعض المواقف ”تجانب“ الحق وتدعم الباطل، مما يحدث حالة من الانقسام الداخلي جراء الاصطفاف، تجاه تلك المواقف غير المتوازنة.

المواقف غير العقلانية تجاه الأصدقاء والخصوم، تكشف طبيعة التفكير لدى أصحابها، في التعاطي مع مختلف القضايا القائمة، فالانتصار للأصدقاء لا يبرر الانغماس التام بعيدا عن التفكير السليم، فالموقف العقلاني والتحرك الصادق لمعالجة الأزمات بشكل متوازن، إحدى المساعي الداعمة للأصدقاء في مواجهة مختلف الأزمات الحياتية، خصوصا وأن الانغماس غير الواعي يقود إلى الكثير من الانعكاسات السلبية، مما يعمق تلك الأزمات على الصعيد الاجتماعي، الأمر الذي يستدعي وضع الآليات المناسبة للبحث عن الحلول العملية، بعيدا عن التعصب الأعمى، والمواقف غير المتوازنة، وبالتالي فإن الموقف السلبي لا يخدم الصداقة على الإطلاق، بقدر ما يقود في بعض الأحيان إلى الدخول في طريق غير سالكة، بحيث تتسبب في بعض الكوارث على الصعيد الاجتماعي.

الدخول في مواجهة مباشرة مع الأعداء، والعمل على إظهار الموقف المعارض، ينم عن حالة من التشويش، وانعدام القدرة على إظهار المرونة في الخصومة، لا سيما وأن هناك مواقف تتطلب المداهنة والتريث، قبل اتخاذ المواقف الصريحة، خصوصا وأن الأزمات على اختلافها تحمل في طياتها الكثير من الملابسات، والعديد من الخفايا، مما يستدعي التوقف بعض الوقت للحصول على المعلومات اللازمة، قبل إبداء الموقف، بمعنى آخر، فإن التسرع في إظهار المواقف المناوئة للخصوم في الأزمات، ظاهرة غير إيجابية في الغالب، نظرا لوجود أطراف عديدة تتداخل في تلك الأزمات، مما يعني استعداء تلك الأطراف دون طائل، لاسيما وأن الأزمات على اختلافها تتطلب التهدئة، والتحرك لتطويقها ومنع تفجرها بمختلف الوسائل، وبالتالي فإن الخصومة المباشرة ليست قادرة على استقطاب الأصدقاء، بقدر ما تعمل على زيادة الأعداء، ”أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما، وأبغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما“.

يبقى التوازن والابتعاد عن التطرف، وترك الغلو في العلاقات الإنسانية، عنصر فاعل في تحريك الأمور في الاتجاهات المناسبة، خصوصا وأن العلاقات الإنسانية مدخل أساسي في كثير من الأمور، سواء على الصعيد الفردي أو الاجتماعي، مما يتطلب التعاطي بشكل عقلاني، بعيدا عن التطرف في رسم العلاقات، مع الأصدقاء والخصوم على حد سواء.

كاتب صحفي