آخر تحديث: 26 / 4 / 2024م - 1:20 م

لحم الأكتاف البشت الحساوي

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة مال الاقتصادية

تابعت عن بُعد فعالية أرامكو عن“البشت الحساوي”، برعاية سمو محافظ الأحساء، مستمعاً لكلمات نائب رئيس الشركة عن البشت الحساوي ومكانته الثقافية والاقتصادية.

لعلها للكثيرين فعالية عابرة ضمن عشرات الفعاليات، التي تعج بها الساحة السعودية، ولعلها كلمة من كلمات، لكنها كانت كافية لتأخذني لأيامٍ سكنت في غياهب ذاكرتي، فلحم أكتافي - كما يقال - من البشت الحساوي، لن يغيب عن ناظري مشهد أبي عاكفاً لساعاتٍ محتضناً“مِرّينة”«قماش البشت» ليصنع منها بشتاً. كنت اراقبهُ بشغفِ الطفولة، وهو يَشُخصُ بتركيزٍ منقطع فيما تطرزه يداه مِنّ نسقٍ ذهبي تتلاصق خيوطه لحدِ الاندماج لترسم تصميماً مٌحكماً، وفي حركةٍ دائبةٍ لا تهدأ بين شدٍ لخيطِ الزري ثم إعادةِ غرس الابرة من جديد، تتوالى إلا من وقفات قصيرة لارتشاف الشاي أو ابتلاع نَفَسٍ من الدخان.

وإن نسيت فلا أنسى، توجيه والدي لي عندما بينتُ له رغبتي في تعلم حرفة خياطة البشوت، رد دون تردد:“لا يا يُبى، خلك في دراستك! ”، أدركت بعدها أن سنوات عمل الشخص في هذه الحرفة محدودة بالفعل نظراً لما تتطلبه من لياقة بدنية، ما يستوجب أن يتخارج مَنّ يمارسها مِنّ ممارسها، مع تقدم العمر، إلى مصدر دخل آخر، فضلاً أن عليه دوماً أن يدخر جزءاً من دخله تحسباً لتقلبات الطلب على البشت، فهي حِرفة وليست وظيفة، أجرُها بالقطعة.

ولا جدل حول أهمية مبادرة شركة أرامكو مع جمعية حِرفة التعاونية وجمعية فتاة الأحساء، التي تستهدف تطوير وتدريب المستفيدين على حرفة صناعة البشت الحساوي ومهارات حياكته وتطريزه، فالمبادرة ستساهم في توفير فرص وظيفية تدعم مسيرة التنمية المستدامة، وعلى الرغم من أهمية ذلك يبقى جزء اجتماعي مُكَملّ، والذي أدى غيابه إلى هجران النشء للحرف المتوارثة رغم أهميتها الثقافية، وهو“الأمان الاجتماعي”، حتى لا أقول“الأمان الوظيفي”.

وخارج نطاق هذه المبادرة، وعلى صلةٍ بحِرفة صناعة البشت الحساوي وسواها من حِرف، أن هذه الحِرف بحاجة إلى برنامج للحماية الاجتماعية، خذ مثلاً شخص بدأ في تطريز البشوت وعمره 15 عاماً واستمر حتى الاربعين، وبدأ يشعر بأن لياقته تؤثر على انتاجيهِ كماً وجودةً، وأخذ دخله يتقلص إلى أن تلاشى. مَنّ لذلك الشخص ليدعم دخل اسرته؟ لذا، يتطلب الأمر مبادرة لتوفير ضمان اجتماعي لأصحاب المهن الحرة كافة، وبالأخص أصحاب الحِرف المتوارثة ذات القيمة الثقافية.

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى