آخر تحديث: 27 / 4 / 2024م - 1:39 ص

قلق التغيير

عيسى العيد * مجلة اليمامة

ينزعج الكثير من التغيّرات التي تحصل مع تقدّم العلوم المختلفة، فلا يرى تلك المتغيّرات أمرًا طبيعيًّا، إنّما ينسبها إلى مؤامرة صادرة من جهة معيّنة، وما إلى ذلك من الاتهامات المختلفة. إلّا أنّ الأمر طبيعي ووارد في كلّ زمان ومكان أن تتغيّر الظروف وتتبدّل، فإذا لم يتقبّل الإنسان تلك التغيّرات على أنّها من الأمور الطبيعية، ونسبها إلى أيّ سبب آخر، فإنّه بذلك يُعرّض نفسه إلى سلسلة من الأعراض غير الصحية التي قد تفتك به، كالقلق والتوتر وما يشابههما من أمراض العصر.

وإزاء هذه الحال، ليس لأولئك الناس إلّا إعمال العقل للتفكير بوعي وبصيرة؛ لأنّ طبيعة الحياة متغيّرة، لا ثابتة على نمط واحد من الظروف المعيشية، وهنا لا بُدّ من التأقلم مع الحياة الجديدة في كلّ حال.

ولمناسبة ذكر العقل، فإنّ علماء النفس يفرّقون بين العقل الواعي، والعقل الباطن؛ أنّ الأول يعالج الأمور بوعي حاضر، بعكس العقل الباطن الذي يتلقّى الأمر بدون وعي؛ لكنّه يتميّز عن العقل الواعي بقوة الحفظ، وتخزين المعلومات مهما كانت طبيعتها وحجمها.

لذلك؛ فإنّ له تأثيرًا كبيرًا على الشخص بامتلاكه المعلومات التي تؤثر عليه سلبًا أو إيجابًا، فعندما يصدر معلومة سلبية قد احتفظ بها في ذاكرته؛ فإنّها تنعكس على نفسية الشخص؛ وكذلك الحال فيما إذا كانت إيجابية.

فمثلًا، لو احتفظ العقل الباطن بموقف سلبي، كمشاهدة حادث مرور مروّع، وصدّره إلى الشخص الذي يسيطر عليه الخوف، فإنّه سيؤثر عليه سلبًا، فقد يتخذ قرارًا في لحظته بعدم قيادة السيارة مطلقًا بعد مشاهدة ذلك الحادث.

إذًا، كيف نتحكم في أوامر العقل الباطن؟

قبل الإجابة على هذا السؤال، نُشير بصورة مقتضبة إلى كيفية معالجة الأمور في العقل الواعي، فإنّه لا تُدرك الأشياء المحيطة بنا إلّا بالحواس الخمس. فالعين تصوّر الأشياء وترسلها إلى العقل الواعي فيدركها، كذلك فإنّ الحواس الأخرى تعمل بنفس الطريقة. والعقل الباطن يعتمد اعتمادًا كبيرًا على العقل الواعي، لذلك فهو الوحيد الذي يسيطر ويتحكم على العقل الباطن، ويميّز بين الإيجابي والسّلبي الذي يصدره ويرسله.

ففي حال ذلك الذي شاهد الحادث المروري، لو اعتمد على العقل الباطن فإنه سوف يرسل المشهد نفسه، لكنّه لو اعتمد على العقل الواعي فإنه سوف يساعده في إيقاف ذلك المشهد؛ ومساعدته في تخطّي المشكلة؛ وذلك بتحليل أسبابها والتفكير في أساليب معالجتها، فتنطبع في الذهن صورة المشهد، ومن هنا يتجاوز المشكلة ويتعدّاها؛ ويتصرف كأن لم يحصل شيء من السابق. فكلّ علماء النفس يوصون من يبتلون بالفوبيا بتكرار المعاكس للمشكلة وتنحلّ عقدتهم، كمثال، «أنا أستطيع صعود متن الطائرة ولا أخاف»، وقِسْ على ذلك بقية العقد المختلفة.

هكذا هي مجريات الحياة في ظلّ المتغيّرات التي تحصل والمخاوف وتقلباتها، حيث إنّ من الطبيعي أن التغيير في بداياته يجلب قليلًا من الخوف والقلق، ولكن مع مرور الوقت والتعوّد يصبح أمرًا عاديًّا، شريطة أن نساعد في تقبّل تلك المتغيّرات بوعي خالص ومرونة حتى تستقرّ الحياة وتزدهر.