آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 8:37 م

الحلقة الخامسة من سلسلة حوارات خيالية بين الشاعر علي بن مكي الشيخ ودواوين مجموعة من الشعراء‎‎

ديوان ”خارج الوقت“ ‎‎.. للشاعرة السعودية مشاعل عبد الله - مكة

علي مكي الشيخ

ديوان خارج الوقت..
للشاعرة مشاعل عبد الله.. دار تشكيل
الديوان الفائز بجائزة ”أبو القاسم الشابي“ لأدب الشباب بتونس.. 2021م
يقسم الديوان إلى أربعة عناوين:

  • سرائر لا تبلى
  • فخاخ طازجة
  • على حافة الدهشة
  • خرائط لم ترسم بعد

من خلال هذا المنجز الجميل في باكورة أعمال الشاعرة مشاعل.. ألتقيها في هذا الحوار الخيالي.. لنكتشف من سيرتها ما يؤنسن الأشياء من حولها.. نستعيد ذاكرة المكان.. من خلال محو الرماد.. وسيرة الكمد.. لنحطّ على شفة القلق.. علّنا نصطادُ حمامةً مكيةً شاعرة..

السؤال الأول:

مشاعل عبد الله.. لمن أهديت هذا الديوان؟!

مشاعل:

إلى الحياةِ التي نحبُّ
ما أبسطَ الحلمَ وما أصعبه..

السؤال الثاني:

من عتبة العنوان.. خارج الوقت... كبقية عتبات الفصول التي اخترت بعناية فائقة.. هل هو تمردٌ على الوقت؟!

حدثيني عن معالجتك لقلق الزمن في تجربتك!!

مشاعل:

لا ينفك أي شاعر عن الحديث حول الوقت.. وهو من الأسئلة الوجودية المهمة.. وقد ترشحت تلك السياقات في ثنايا ما كتبت.. من ذلك مثلا:

تسلمُ العمر ضلعًا شاردًا وترى
في كلّ عشقٍ سماء حُرّةً وبكا

..تمضي
إلى أين، كان الوقت يسرقها
في الحبّ تنأى وفي الأسرار تختبئُ

هزي إليك
بجذع العمر قافيةً
قالت لها الريحُ لا أحلامَ تنطفئُ

سكبتُ التراتيل
كأس مدامٍ
أطوفُ على جرحِ عمري الندي

- هل يكفي ذلك!!
- وهل من مزيد..

- حسنا هاك مما كتبتُ أيضا:

وما الحياةُ
تفاصيلٌ نعلّقُها
الوقتُ سيفٌ بغيرِ العمرِ ما انصرفا

والعمرُ يقطرُ
من عينيك معترفًا
خطيئةُ العمرِ تاريخٌ نجمّلُهُ

وتحطبُ
العمرَ أحلامًا مؤجّلةً
ولا ملاذٌ سوى شعرٍ ترتلُهُ

السؤال الثالث:

من تكون مشاعل عبد الله!!

وما طبيعة المكان التي عاشت فيها؟!

مشاعل:

سأحاول أن ألخص لك من سيرتي.. بعض شذرات ما وقعّته بين ثنايا النصوص المتسربة في الديوان..

أنثى من الضوء
ضوء الشمس لعبتها
ما مرّها الليلُ إلّا ذابَ وارتبكا

حديثها الغيمُ
والأمواجُ رقّتُها
في صوتها النايُ كم غنى وكم ضحكا

قد تشبه الوردَ
إلّا كأنّها امتلكتْ
من الصلابةِ ما بالعزّة اشتبكا

أنثى تضمُّ
لغاتِ العشقِ في بذخٍ
قالت لها الأرضُ كوني للهوى نسكا

- أفصحي لنا عن منشئك.. والأرض التي داعبت طفولتك البكر!!

حسنا.. فاستمِع لما يُوحى..

قلبي.. حجازيٌّ
وروحيَ غيمةٌ
والحبُّ إبحاري الذي يتعمّقُ

مازلتُ أحرس
في الفؤادِ حمامة ”مكيّةً“
منها الغناء ترفقُ

وخطيئتي
أنّي ولدتُ على فمي
عادات من ذاقوا ولم يتعلّقوا

أحسنت شاعرة الحجاز.. ومكية الهوى.. وأنت تمسدين عافية القصيدة بكل هذا الجمال.

السؤال الرابع:

القصيدة الحديثة وصلت لمرحلة كبيرة من الوعي عبر استخدام تقنيات الاشتغال النقدي.. والتنظير للقصيدة داخل القصيدة.. وهو ما يعرف ب ”الميتاشعرية“

مشاعل كيف تناولت عملية التنظير للشعر؟!

مشاعل:

وما القصيدةُ
بنت الروحِ ما ارتعشت..
إلّا لتحملَ همّ الناسِ والضعفا

الشعرُ
سكرةُ موالٍ على فمها
والحزنُ بالحزنِ والأقداحُ تمتلئُ

كانت مجازا
ولم تخطئْ أنوثتها
وأجملُ الشعر ما يهذي به الخطأُ

منذ اتكأت
على القصيدةِ لم تزلْ
حمّى الكلامِ تفيضُ فيَّ وتورقُ

أحسنت وبوركت..

السؤال الخامس:

يقول شاعر المهجر إيليا أبو ماضي

إنّ نفسًا لم يشرق الحبُّ فيها
هي نفسٌ لا تدري ما معناها

أنا بالحبِّ قد وصلت إلى نفسي
وبالحبّ قد عرفتُ الله

وأنت ما فلسفة الحب لديك؟!

مشاعل:

- ماذا أدوّنُ في الهوى وأقولُ!!

- الحبّ؟
تسألني تريدُ إجابةً
والحبُّ يقرعُ بابها ليجيبا

الحبُّ..
أن نفنى بغير خطيئةٍ
في الحبّ تخطئ إذ تكونُ مصيبا

ما الحبّ
إلّا رقصةٌ غجريّةٌ
تعويذةٌ منها تعودُ غريبا

جميل كل هذا التنظير للحب

.. وتساؤلي هنا ما موقعك منه؟!

مشاعل:

”أنا في الهوى لا حول لي أو قوّة“
والحبُّ كلُّ الحبّ يسكبني لديه

- وما ضريبة هذا الحب!!

مشاعل:

بلا شك.. والضريبة أنك تعطي أكثر مما تأخذ

.. ومن ذلك أقرأ ما كتبته:

الحبّ ترتيلٌ
وجوديُّ الندى
قد ذبتُ حتى ضمني الترتيلُ

جرحت..
واستعذب الأحبابُ ما أجدُ
هل في عذابي لهم أجرٌ ومعتقدُ؟!

أحببتهم
رغم هذا الليل، هل علموا
ماذا جنيتُ وماذا يفعلُ الكمدُ؟!

كنت الملاذَ لهم
روحي لهم بلدٌ..
كيف استحالت خرابًا تلكمُ البلدُ؟

هذا غيض من فيض يا عزيزي.

السؤال السادس:

حين نفتح عيوننا على مفردة الشعر الإخواني.. والإخوانيات.. نستذكر الكثير من الشعر العربي.. قديمه وحديثه.. وهو غرض واسع ورقيق.. شاعرة وحيدة جاء اسمها صريحا في ديوانك الجميل..فمن هي؟!

وماذا كنت تقولين لها؟!

مشاعل:

نعم صديقتي الرائعة ابنة الأحساء حوراء الهميلي.. أبعث لها أرق التحايا.. فقد كان نصيبها أن يحمل. عنوان الديوان.. لفظة ”خارج الوقت“، والذي جاء ضمن النص المهدى لها..

شفّافة الروح.. بلويةٌ أنتِ
تضيء منكِ حروفي كلّما بِنْتِ

مخلوقةٌ
من غبار الوردِ، ما اكتملتْ
فيكِ الحقيقةُ إلا خارجَ الوقتِ

”حوراء“
تقطرُ إحساسًا وأخيلةً
حتى الخيالُ هوى من لُطفِ ما كنتِ

وتعزفين
موسيقا الشعر موقنةً
أنّ القصائد قلبٌ نبضهُ أنتِ

- الله الله..

في بيتٍ واحد كيف تصفين العلاقةَ بينكما؟!

مشاعل:

أندى من
الغيمات إذ تتشكّلُ
وأرقّ من مطرٍ يتوقُ ويهطلُ

السؤال السابع:

ماذا تريد مشاعل منَ الحياة؟!

مشاعل:

أريد منَ الحياة
أريدُ ماذا!؟
سوى أن تنتهي بي حيثُ ذاتي

فأحلامٌ بها أهذي
وأشقى
وأحلامٌ أخيطُ بها حياتي

- وماذا قدّمتِ لضمان هذه الأحلام؟!

مشاعل:

نقشتُ على الخرائط
بعضَ عمري
ولم تصلِ الضلوع إلى الثباتِ

تلوتُ على
القصائدِ سحر قلبي
فكيفَ تموتُ منْ شهدتْ صلاتي!!

السؤال الثامن:

موضوع التناص وتوظيفه شعريا، أصبح من لوازم الوعي الثقافي للشاعر..

وتتعدد مناحي التناصات الأدبية

هل استخدمتِ التناص القرائي في تجربتك الجميلة؟!

مشاعل:

نعم.، ستجد ذلك بصور مختلفة.. ولكنني سأضع لك بيتين فقط شاهدين دلاليين لتطبيق هذه الفكرة..

الشاهد الأول:

- مازال بعضُ
حنينٍ وسط أضلعها
لا هدهدٌ في ارتباكِ الروحِ لا نبأُ....

الشاهد الثاني

- هزّي إليك
بجذع العمرِ قافيةً
قالتْ لها الريحُ لا أحلام تنطفئُ

السؤال التاسع:

ذكرت في إحدى عتباتك عبارة لجلال الدين الرومي

”كلُّ من يكونُ له مددٌ من داخلهِ
لا يخافُ من العالم الذي لا مدد فيه“

كيف ترشحت هذه اللغة الصوفية في تجربتك الشعرية؟!

مشاعل:

- منَ الضوءِ
كان انبعاثي سلام
إلى الضوء
سافرتُ في السرمدِ

- أمشي على الماءِ
جوعُ الروحِ خارطتي
وحيثما كان قلبي كنت أشتعلُ

- نسافرُ نحو
الضوء، خيطٌ يشدّنا
إلى الشعرِ.. والأرواح معنى وموقفُ

إلى منْ
إليه الحبُّ
يتلو صلاته
ولا إثم كالهجران يدمي ويأسفُ

- خلعتُ عني
رداء الخوفِ عامدةً
وعشتُ حالمةً تهفو إلى الأبدِ

- أقولُ..
بأني قد سلوتُ، وكيف لي؟!
وأنت جهاتي كلُّها وسؤالي!

السؤال العاشر:

تمثل الألوان دلالة سيميائية، لنمط التفكير، ومميزات النفس، حيث تتطبع العلائق الروحية بكل ما تستخدم من مظاهر لونية..

اذكري لي لونين اثنين فقط..

تم توظيفهما داخل هذا المنجز الوقتي؟!

مشاعل:

- قلبٌ
بلون الزعفرانِ سكنته
حتى ليكتبَ جامحًا وأنيقا

- عن كفّها
يحصي البنفسجُ عطرهُ
ونهارُ ضحكتها حديثٌ مرسلُ

في الختام.. لك وافر الامتنان.. وعابق الشكر لكل هذا الحضور النقي..

مشاعل:

العفو.. يطيب لي أن يبوح لك هذا الخارج عن وقته بكل تلك التفاصيل..

كما تذكرني بمقولة لخالد النشمي: ”كان على أحدنا أن يخلع طمأنينته ويركض“