آخر تحديث: 21 / 12 / 2024م - 5:28 م

السلوك الفردي

محمد أحمد التاروتي *

السلوك الاجتماعي بمثابة الميزان في جميع المحطات الحياتية، فهو انعكاس للمنظومة الأخلاقية، وكذلك ترجمة عملية للمرتكزات الإنسانية بشكل عام، خصوصا وأن الممارسات اليومية لدى الإنسان تولد حالة من الانجذاب، أو النفور من لدن المحيط الاجتماعي، بحيث تبرز على أشكال متعددة من خلال التعاطي المباشر في الحياة اليومية، فإذا كانت تلك الممارسات ذات طابع أخلاقي وإنساني، فإنها تولد الاستقطاب الاجتماعي، واحتلال مواقع متقدمة لدى العديد من فئات المجتمع، فيما يمثل الابتعاد والعزوف السمة البارزة لدى الكثير من الفئات الاجتماعية، كانعكاس مباشر للممارسات غير الإنسانية وغير الأخلاقية، ”عاشروا الناس عشرة إن غبتم حنوا إليكم، وإن فقدتم بكوا عليكم“.

التعاطي الاجتماعي مع الإنسان مرتبط بالطبيعة السلوكية اليومية، وكذلك نتيجة الأسلوب المتبع في العلاقات الخارجية، فالمرء يمتلك القدرة على وضعه نفسه محور أساسي في البيئة الاجتماعية، من خلال استخدام الطرق الإنسانية واتباع الممارسات الأخلاقية، في مختلف المجالات الحياتية، الأمر الذي ينعكس بصورة مباشرة على حالة الاستقطاب غير الاعتيادية، ”إنكم لا تسعون الناس بأموالكم وليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق“.

استخدام الوسائل الطاردة في العلاقات الاجتماعية، يولد الكثير من العداء من جانب، ويخلق الكثير من المشاكل من جانب آخر، الأمر الذي يترك تداعيات سلبية على النسيج الاجتماعي، خصوصا وأن الممارسات اليومية للأفراد تشكل نقطة اختيار حقيقية، في مختلف التعاملات الإنسانية، بحيث تكون وبالا على البيئة الاجتماعية، بمجرد انتقالها من الحالة الإنسانية والأخلاقية، إلى الجانب الشيطاني والتدميري، الأمر الذي يترجم بطريقة مباشرة في التشابك والتخاصم، نتيجة سيطرة السلوك العدائي على شبكة العلاقات الخارجية.

اتجاهات السلوك الاجتماعي تجاه الأفراد، تكشف الكثير المرتكزات السائدة، في منظومة العلاقات الخارجية، فانتهاج سبيل الخير وسيطرة التعاضد والتعاون في الثقافة الاجتماعية، يخلق حالة من الانسجام والوئام بين الفئات المختلفة، بحيث تظهر في طبيعة التعاطي اليومي مع الأفراد، جراء وجود منظومة قادرة على توجيه السلوك الاجتماعي بالاتجاه الصائب، فيما الخصومة والنفور تشكل السمة البارزة في السلوك الاجتماعي، نتيجة سيطرة الممارسات السيئة على الممارسات اليومية، واختيار الخداع والغدر وسيلة في مختلف العلاقات الاجتماعية، وبالتالي فإن محاولات ترميم السلوك الاجتماعي ليست سهلة على الإطلاق، جراء تكريس الحالة العدائية لدى العديد من فئات المجتمع، الأمر الذي يعطي إشارات واضحة بقدرة السلوك الفردي، على توجيه السلوك الاجتماعي بالاتجاهات المختلفة، خصوصا وأن الممارسات الفردية المنطلقة من المنظومة الأخلاقية، قادرة على إشاعة أجواء المحبة في العلاقات الخارجية، كما أن الممارسات الشيطانية تبعث في النفوس الكثير من الشحناء والبغضاء، الأمر الذي يتمثل في سيطرة النزاعات وغياب الاستقرار الداخلي.

عملية التعاطف الجماعي تجاه الأفراد، ليست منطلقة من الحالة العاطفية في كثير من الأحيان، بقدر ما ترتبط بالجوانب الإنسانية والأخلاقية، فالمجتمع الذي يتحول نحو الفرد ينظر إلى الإنجازات على الأرض، وكذلك يراقب مختلف السلوكيات اليومية، خصوصا وأن الانجذاب يتطلب الكثير من الجهود، والعديد من الأعمال على الصعيد الاجتماعي، وبالتالي فإن الاستقطاب يكون ثمرة طبيعة لممارسات يومية ذات طبيعة إنسانية وأخلاقية بالدرجة الأولى، بمعنى آخر، فإن إظهار التعاطف الاجتماعي يكشف وضع الأفراد تحت الاختبار لفترة طويلة، لا سيما وأن اكتساب الثقة الاجتماعية يحتاج إلى الكثير من الامتحانات العملية على الصعيد الخارجي، فالعديد من الممارسات الإنسانية تكون خادعة في البداية، انطلاقا من أهداف وأغراض شخصية، مما يستدعي التريث قبل إطلاق الأحكام، تجاه بعض السلوك الفردية الخارجية.

الانجذاب والاستقطاب أحد ملامح السلوك الأخلاقي والإنساني لدى الأفراد، فهذه السلوكيات قادرة على تحريك البيئة الاجتماعية، لإعلاء مثل هذه القيم من خلال التفاعل المستمر، مع أصحاب السلوكيات الأخلاقية والإنسانية، نظرا لأهميتها في مختلف الأصعدة الحياتية.

كاتب صحفي