آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 10:36 م

السيدة المعصومة (ع) مكانتها وفضل زيارتها

لابد من الإشارة والإشادة بتلك الشخصيات الساطعة في سماء الفضيلة والعظمة، وذلك لما يمثله وجودهم المبارك من دور تنويري وإرشادي للمؤمنين في كل زمان، حيث أنهم جسدوا الكمال الإنساني والرقي بالتحلي بالفضائل والصفات الحميدة، وبذلك تكون هذه الشخصيات خير من يمثل الإرادة الإلهية ويجسد أوامره سبحانه، فيتخذهم المؤمنون قدوة ومتأس لهم في فهم دورهم المحوري في الحياة والذي يتوافق مع الكرامة الإنسانية العالية، فهؤلاء كانوا في محط ظلال الرضا الإلهي عنهم لما تمتعوا به من كمالات وقابليات رفعت شأنهم، وبدلك نحدد هدفنا في الحياة وفق هذه الإضاءات من سيرة الأولياء الصالحين والتدبر في سيرتهم ومواقفهم الغراء.

ومن أولئك العظماء هي السيدة فاطمة المعصومة والتي ورد بيان معالم الرفعة والألق في شخصيتها على لسان المعصومين ، فيكفينا الوقوف عند ما ورد عن الإمام الرضا في بيان مقامها: من زار المعصومة بقم كمن زارني» «رياحين الشريعة ج 5 ص 35».

ولنتوقف قليلا متأملين في وصف الإمام لها بالمعصومة، ونحن نعرف أن من أسبغ عليه العصمة من النساء هي سيدة نساء العالمين ، وهذا يعني أن العصمة المشار لها من الإمام الرضا هي العصمة الاكتسابية، بمعنى أن الملاحظ في سيرتها - على قصر عمرها الشريف - أنها كانت على أعلى درجات الفضيلة والبصيرة الواعية، فعلاقتها بربها يشهد لها بوثاقتها محراب الطاعة والعبادة الذي لازمته طوال حياتها، وبقي ما يشهد لها ويؤكد على هذه الحالة الإيمانية والروحية محرابها في «بيت النور»، وهذه الشهادة من الإمام المعصوم لا يمكن الخدش بها بتوجيهها على أنها كانت حالة عاطفية استوجبت من الأخ تمجيد أخته والثناء عليها، فالإمام معصوم من الزلل والانسياق خلف العواطف العمياء، بل شهادته تحكي ما عليه الشخص من حالات وصفات أكد عليها وحاكاها بكلمة منه، فثناء المعصوم على شخص يعني امتلاكه لصفات الفضيلة، والذم لشخص إنما يتوجه لأفعاله المشينة وصفاته الذميمة، ووصف الإمام الرضا للمعصومة بهذا الوصف يعبر بدقة عما كانت عليه هذه السيدة الطاهرة من المستوى المعرفي والسلوكي والقابلية لكونها موجهة في مواقفها للمؤمنين نحو السؤدد والعلياء، والعامل الوراثي والتربوي الذي تلقته هذه المرأة العظيمة على يد أبيها الإمام الكاظم وأخيها الإمام الرضا له التأثير الكبير على بلوغها أعلى درجات الكمال والفضيلة، ولكن لا ينبغي إغفال العامل الذاتي المتحقق بكونها صاحبة قابلية عالية للعفة والفقاهة والزهد في الدنيا والعمل على التوجيه نحو طهارة النفس وتوقد العقول ووعيها، فهذه المرأة العظيمة عاشت الإسلام بروحها وعملها وامتزج كيانها بتعاليمه.

ونظرة يسيرة إلى الألقاب الأخرى للسيدة المعصومة تبرز ما كانت عليه من مقام رفيع، فقد لقبت بمحدثة أهل البيت حيث كانت من رواة أهم الأحاديث كالغدير وغيره من الأحاديث النبوية الشريفة، وذلك يدل على مقامها العلمي الرفيع لتكون موئلا للمؤمنين في التعريف بعلوم وأحاديث أهل البيت .

وورد عن الإمام الصادق : ولَنَا حَرَماً وَ هُوَ قُمُّ وَ سَتُدْفَنُ فِيهِ امْرَأَةٌ مِنْ وُلْدِي تُسَمَّى فَاطِمَةَ، مَنْ زَارَهَا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ» «بحار الأنوار ج 99 ص 266».

وهذا الإخبار من الإمام الصادق عن أمر مستقبلي هو من معارف الرسول الأكرم ﷺ وبإذن الله تعالى، ويشير إلى وجود أهمية لهذا الأمر حتى يلفت أنظار المؤمنين إلى وجود امرأة عظيمة من نسله الطاهر وأخبر عن مكان دفنها، والملفت في الخبر هو بيان الجزاء الأوفى لزيارة مرقدها الشريف وهو دخول الحنة ونيل رضوان الله تعالى، وهو ما يستوجب بيان معنى تلك الزيارة المستتبع لها دخول الجنة، بالتأكيد أنه ليس مجرد قراءة الزيارة الخاصة بها وتعداد الصفات الحميدة لها دون تدبر وتأمل فيها، بل زيارتها النورانية هي الوقوف على سيرتها الغراء ومواقفها ومن ثم اتخاذها منهجا تربويا وأخلاقيا يسبر عليه، هنا يتحقق الشرط المطلوب لقبول الزيارة وهو أن تكون عارفا بحق المزار ومطبقا تعاليمه عمليا.