آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 2:34 ص

الإمام الصادق (ع) شمس مضيئة

العظماء تسجل وتسطر ملاحم سيرتهم بأحرف الصدق والواقعية والإنصاف، وذلك من خلال ما نطقت به أفواههم من الحكمة والبيان وفصل الخطاب، فخطت المنهج التربوي والأخلاقي للإنسان ورسمت له معالم التكامل والرقي، ومن خلال مواقفهم المتصفة بالثبات والاستقامة والاتزان فأخذتها الأجيال منهجا تسير عليه وتقتدي به؛ لتظفر برفعة الشأن وتسترشد به في ظلمات ومتاهات دروب الحياة، سيرة تكتب بأحرف ذهبية بعيدا عن تملق ومداهمات المتملقين وخالية من تخرصات وتزييف غير المهنيين، وهكذا نجد سيرة الإمام الصادق مشرقة بأنوار الفضيلة والمعارف والهمة العالية في مجال الدور التربوي والتبليغي ومنهج الأخلاق الحميدة، كيف وهو الرافد الأكبر لمعين المعارف الحقة، وإليه ينتسب عدد كبير من العلماء والتلامذة الذين تربوا وتعلموا تحت منبره، وقاد عملية تغيير كبيرة في المجتمع من خلال تلك المنظومة التعليمية التي انتشرت في أرجاء الدولة الإسلامية، وانماثت على يديه حركة التيارات والانحرافات الفكرية والعقائدية من خلال تصديه لآرائهم الضالة ووضع الإجابات المقنعة المفحمة للخصم، ومعالجة الإمام الصادق لتلك الانحرافات كانت بعيدة عن لغة القمع الفكري والعنف اللفظي والمواجهة الساخنة، والتي كانت ستؤدي إلى مزيد من التناحر وتعميق التمزق والخصومات بين أفراد المجتمع مع ضياع للحقيقة والرأي السديد لتلك المشكلات الفكرية، بل واجهها الإمام بأسلوب عقلي راق مع بيان سهل لا يجارى، ومارس الحرية الفكرية من خلال السماح للطرف الآخر بطرح كل ما عنده من تصورات والاستماع إليه، ومن ثم يتم الرد عليهم بما لا مجال معه للمراوغة في الكلام.

وفي الحقيقة فإن مدرسة الإمام الصادق تعد جامعة بحق، فقد حوت بين جنباتها الآلاف من التلاميذ الذين حملوا وبثوا العلوم والمعارف في شتى التخصصات والحقول، ولقد وجههم الإمام إلى مبدأ مهم في فهم تلك المعارف وهو التخصص في جهة معينة كعلم الكلام والعقائد أو الفقه أو رواية الحديث أو التخصصات العلمية كما كان لجابر بن حيان في علم الكيمياء، لقد كانت حصيلة جهود الإمام الصادق العلمية والعقائدية تكوين كوكبة من العلماء الذين أخذوا على عاتقهم إكمال الرسالة التبليغية والإرشادية في المجتمع في التخصص الذي أتقنه وبرع فيه، مما أدى إلى نشر الثقافة والمعرفة الفقهية والأخلاقية وترسخها في وجدان وسلوك الناس الواعين، كما أن هجمة التيارات العقائدية المنحرفة ومبدأ الكفر والإلحاد «الزندقة» أخذت في الضعف أمام جهود تأصيل مبدأ التوحيد وتفصيل القواعد والأسس العقائدية والكلامية. وبذلك انقشع الظلام في أقوى قبضة نورانية قاد مسيرتها الإمام الصادق وبقي تأثيرها خالدا عبر الأجيال تتناقله وترتشف من معينه، وها هي كلمات الإمام النورانية تعد خزائن ثمينة من الحكم والدروس التي تحتاج إلى تأمل وبحث معرفي دقيق حتى تستخرج منها اللآلئ.

ومن معالم منهج الإمام الصادق هو التركيز على القواعد التربوية والتهذيبية للنفس والعمل على إرشاد الناس على القيم الأخلاقية والتحذير من الرذائل والعيوب، ولقد كان بنفسه يقود عملية التغيير الاجتماعي الإيجابي ويكرس وجودها بين الناس، وهاهي كلماته ومواقفه الأخلاقية الرائعة شاهد على ذلك، فكان الإمام يتفقد أحوال الناس المالية ويؤكد على مبدأ التكافل الاجتماعي من خلال عمله الدؤوب في رفع وطأة الفقر والحاجة عن المعوزين، حيث ورد أنه كآبائه الطاهرين وأبنائه المنتجبين يضع جراب الطعام على ظهره ويوزعها على بيوت الفقراء ليلا، تأكيدا على مبدأ سرية الصدقة وحفظ كرامة وماء وجه المساكين فلا أحد يعلم بضعف حالهم، وأما مبدأ التسامح ومقابلة السيئة بالإعراض عنها فقد كان الإمام الصادق تجسيدا لهذا المبدأ وموجها له بين أصحابه، وهذا ما يحفظ الاحترام والثقة والمحبة بين أفراد المجتمع، ويجنبهم ويلات التخاصم والمشاحنات التي قد تعصف بعلاقاتهم وتضرب السلم المجتمعي.