آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 2:34 ص

في ذكرى رحيل الإمام الصادق (ع)

حسين الدبيسي

”لأن أندم على العفو خير من أن أندم على العقوبة“ الإمام الصادق

”تعلموا الصدق قبل الحديث“ الإمام الصادق

الإمام الصادق رجل لم يتكرر

الإمام جعفر الصادق هو أعظم رجال البيت العلوي بعد الإمام علي أثرًا في تاريخ المسلمين. لا يذكر التاريخ أن علويًا آخر كانت له مساهمات واسعة التأثير على مسيرة الحياة الإسلامية كالإمام جعفر الصادق فسلام الله عليه وسلام ملائكته وعباده الصالحين.

سأقتصر في حديثي عنه في ثلاث نقاط فقط وإلا فإن الحديث عنه لا يمكن الإحاطة به

النقطة الأولى الرحم العلوي بين الوصل والقطيعة

في عهده وقع انشقاق في البيت العلوي في أعقاب سقوط دولة بني أمية وحلول العباسيين محلهم. رأى قسم كبير من العلويين أن العباسيين اختطفوا ثمرة جهاد العلويين وتضحياتهم ودمائهم وأنه لا بد من استرداد الحق العلوي مهما كلف الأمر. وأن السكوت هو بمثابة خيانة لتلك الدماء وتضييع لجهاد السابقين منهم. وأنه أي السكوت إن تم فسيرى فيه الناس بطلان دعوى العلويين السابقة.

فمال كثير من العلويين إلى هذا الرأي خاصة الشباب منهم وفي الطليعة محمد ذو النفس الزكية وأخوه إبراهيم عليهما السلام ومعظم أبناء الحسن المثنى وبعض من ذرية الإمام زين العابدين وبعض من ذرية العباس قمر بني هاشم وآخرون. فيما كان الإمام جعفر لا يوافقهم على رأيهم هذا.

لقد شق على الإمام جعفر هذا الانشقاق وحاول ما استطاع لملمة الشمل وتجنب الصدام مع المعارضين له وتحمل جفوتهم له وقسوتهم عليه بالكلام الجاف والغليظ. لقد كان صبورًا حليمًا وبارًا بهم واصلًا لما قطعوه منه.

النقطة الثانية شهادة الحسين القضية الخالدة وبها تصحح اتجاه البوصلة

الإمام جعفر الصادق هو الذي جعل شهادة الإمام الحسين شهادة حاضرة في الوجدان الشعبي يعيش معها الشيعي في يقظته ونومه وقضية حية على مدار الأيام وعبر العصور. وبث في النفوس حرارة المصاب، وبكى وأبكى واستبكى. فرويت عنه روايات عديدة تحث على البكاء على الحسين ورويات تحث على نظم الشعر فيها، وحث على زيارة القبر وأثنى على الزائرين ثناءً عظيمًا وعد الزيارة جهادًا، ورسم لها طقوسًا معينة وذكر لها أورادا خاصة. هذا الاعتناء الشديد منه بشهادة الإمام الحسين كان يريد منه أن يوقف اندفاع الشيعة وراء العباسيين الذين رأوا في سقوط الأمويين نهاية المواجهة مع السلطة وتجاوزًا لتلك المرحلة ولمفرداتها من تضحيات ودماء. فأراد الإمام جعفر أن يوقف ذلك الاندفاع وأن يصحح الموقف، ويضبط اتجاه البوصلة من جديد. وهو بهذا قد أوحى إلى الناس كافة أن العباسيين لا يختلفون عن أسلافهم الأمويين، الشيء الذي تغير هو الاسم فقط. أراد للناس أن تتحلى بوعي البصيرة النافذة ولا يكونون ممن يسهل استخفافهم وخداعهم، وينطلي عليهم لبس الحق بالباطل.

النقطة الثالثة الميثاق الجعفري

حرص الإمام جعفر كل الحرص على إزالة كل ما من شأنه أن يشوش على صورة أهل البيت عند عامة الناس. فالمتبوع يعرف عند الكثيرين من تابعيه. فكيفما يبدو التابع عند الآخرين تتكون لديهم صورة عن المتبوع. فحرص على أن يكون الأتباع المنتمين إليهم هم الأفضل في الأمة خلقًا وسلوكًا قولًا وعملًا. فإذا كان أهل البيت هم أفضل من يمثل الإسلام وهم القدوة الأحسن. فينبغي من أتباعهم أن لا يكون لهم نظير في جميع الفئات الأخرى. فهم:

1 - الأصدق والأكثر التزاما بالإسلام وتعاليمه

2 - والأقوى والأفضل تعاونًا فيما بينهم

3 - والأكثر اهتماما بإصلاح الشأن العام والمضحين بكل ما لديهم في هذا السبيل.

4 - وهم أصحاب المبادرات الاجتماعية ومن يتطلع الكل إلى فزعتهم وعونهم ومساعدتهم.

هذه بعض بنود الميثاق الجعفري. وهذه بعض النصوص الواردة عنه في هذا الشأن.

- امتحنوا شيعتنا عند ثلاث: عند مواقيت الصلاة كيف محافظتهم عليها، وعند أسرارهم كيف حفظهم لها عند عدوّنا، وإلى أموالهم كيف مواساتهم لإخوانهم فيها.

- إنّما شيعتنا يُعرفون بخصال شتّى: بالسّخاء والبذل للإخوان.

- عليكم بتقوى الله، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وحُسن الصحبة لمَن صحبكم، وإفشاء السلام، وإطعام الطعام.

- لو أنّ شيعتنا استقاموا لصافحتهم الملائكة، ولأظلّهم الغمام، ولأشرقوا نهاراً، ولأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم، ولما سألوا الله شيئاً إلاّ أعطاهم.

- ليس من شيعتنا مَن قال بلسانه وخالفنا في أعمالنا وآثارنا، ولكن شيعتنا مَن وافقنا بلسانه وقلبه، واتّبع آثارنا وعمل بأعمالنا، أُولئك شيعتنا.

- يا شيعة آل محمّد، إنّه ليس منّا مَن لم يملك نفسه عند الغضب، ولم يُحسن صحبة مَن صحبه، ومرافقة من رافقه، ومصالحة مَن صالحه، ومخالفة مَن خالفه.

- ليس من شيعتنا مَن يكون في مصر يكون فيه آلاف ويكون في المصر أورع منه.

- يا معشر الشيعة، إنّكم قد نُسبتم إلينا، كونوا لنا زيناً ولا تكونوا علينا شيناً.

هذا نزر يسير من بحر زاخر وقطرة من محيط.