آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

تطويق الأزمات

محمد أحمد التاروتي *

محاصرة الأزمات عبر احتوائها منذ البداية، والحيلولة دون انتشارها على مساحات جغرافية واسعة، عملية أساسية للتعامل معها بطريقة احترافية، فالتجاهل وعدم الالتفات إلى الانعكاسات المترتبة، على نشوب الأزمات سواء كانت صغيرة أو كبيرة، يمهد الطريق لخروج الأمور عن السيطرة، مما يعني انعدام القدرة على خلق الأجواء الملاءمة، لتقريب وجهات النظر بين أطراف مختلف الأزمات.

دراسة الأزمات بطريقة منهجية بعيدا عن الجوانب العاطفية، يساعد كثيرا في التحرك بطريقة احترافية، خصوصا وأن سيطرة العاطفة على التحركات يعقد الأمور كثيرا، نظرا لانعدام الرؤية العقلانية وغياب القدرة على تحديد مكامن الخطر، الأمر الذي يتجلى في اتخاذ القرارات الخاطئة والارتجالية، نتيجة الاستسلام للجانب العاطفي، وبالتالي فإن استبعاد ذلك الجانب العاطفي، وتحكيم الأمور العقلية في مختلف القرارات المتخذة، عنصر أساسي في التحركات الساعية لتطويق الأزمات، وعدم السماح بانتشارها على نطاق واسع في البيئة الاجتماعية.

وجود الرغبة الصادقة لتجنب المجتمع مختلف أشكال الأزمات، عامل حيوي في تعزيز التماسك الداخلي، لدى مختلف الفئات الاجتماعية، خصوصا وأن الاختلافات والخصومات من الطبائع البشرية، التي يصعب القضاء عليها، بيد أن الاختلاف يكمن في وجود فريق يعمل على وضع تلك الاختلافات، والخصومات في المسارات الطبيعة، من أجل تفريغها من التداعيات السلبية، التي تخلق الكثير من المشاكل على الصعيد الاجتماعي، وبالتالي فإن التحرك الجاد للتعاطي بوعي مع الأزمات، يخلق حالة من الارتياح لدى مختلف الشرائح الاجتماعي، الأمر الذي ينعكس في وضع الأزمات والاختلافات ضمن المشاكل اليومية، بعيدا عن التضخيم والتهويل، مما ينعكس بصورة مباشرة على الطرق المتخذة، في تطويق تلك الأزمات، وضبطها بطريقة تمنع خروجها عن السيطرة.

يصعب اتخاذ الوسائل المناسبة لتطويق الأزمات، دون امتلاك الآليات الواضحة والعقلانية، في مختلف مراحل تلك الأزمات، خصوصا وأن الأزمات الصغيرة بحاجة على تحركات تتناسب مع انعكاساتها على الأرض، كما تتطلب الأزمات الكبرى مساعي تتوافق مع تداعياتها، على مختلف الشرائح الاجتماعية، بالإضافة لذلك فإن عامل الوقت يلعب دورا كبيرا في القدرة، على إحداث اختراقات حقيقية في تطويق تلك الأزمات، سواء على الصعيد الخارجي بالمجتمع، أو الجانب النفسي لدى الأطراف المتخاصمة، لا سيما وأن الأزمات ترسم مسارات متعددة، وتسهم في تكريس ثقافة ذات طبيعة مؤقتة، نظرا لقدرتها على التأثير على بعض الفئات الاجتماعية، بشكل مباشر فيما يتعلق بالممارسات اليومية، الأمر الذي يتجلى في تباين المفردات الثقافية لدى بعض الفئات الاجتماعية، نتيجة سيطرة تلك الأزمات على تفكير جزء من البيئة الاجتماعية.

النجاح في تطويق الأزمات، يكون مرتبطة بطبيعة التحركات المتخذة تارة، ونتيجة انتهاج الوسائل المناسبة تارة أخرى، فالتفكير في تطويق تلك الأزمات يختلف باختلاف الثقافة القائمة، على البحث عن الطرق الوسائل، الأمر الذي يفسر سرعة نجاح بعض التحركات، وفشل جزء من المساعي الأخرى، وبالتالي فإن الحديث عن الفشل والنجاح مرهون بامتلاك المرونة اللازمة، للتعاطي السريع مع التحولات، والمتغيرات المتسارعة للأزمات الاجتماعية، خصوصا وأن الجمود والتحرك البطيء تكون انعكاساتها محدودة، وأحيانا غير فاعلة، مما يستدعي انتهاج الطرق الديناميكية على الدوام، لا سيما وأن تطويق الأزمات ليس ترفا اجتماعيا، بقدر ما يمثل ضرورة ملحة لحماية البيئة الاجتماعية، من الوقوع في مستنقع يصعب الخروج منه بسهولة.

تسجيل النتائج الإيجابية في عملية تطويق الأزمات، مرتبط في الغالب بمدى الاستجابة الاجتماعية، خصوصا وأن التحركات الفردية غير فاعلية، وليست قادرة على إحداث الأثر الكبير، مما يستدعي الانخراط الاجتماعي في مجمل المعالجات، نظرا لأهمية اشتراك البيئة الاجتماعية في جميع التحركات، سواء كانت المؤقتة أو الدائمة، فالعزوف وعدم الاستجابة يمثل خطورة على التحركات الساعية لتطويق الأزمات، بحيث تتجلى في تمددها في جميع الاتجاهات، وتركها آثارا على مختلف الفئات الاجتماعية، وبالتالي فإن الاستجابة الاجتماعية عنصر فاعل في تسجيل نجاحات حقيقية، في سباق تطويق الأزمات على اختلافها.

كاتب صحفي