آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 9:30 ص

النَّقد والإبدَاع.. تصادمٌ أم تكامُل؟

محمد الحميدي

العلاقةُ بين ”المناهجِ النقدية“ و”الإبداعِ الكتابي“؛ إحدى العلاقات الشائكة، فالتوتُّر مرافقٌ لها على الدوام، حيث الناقدُ يشكو من عدم التزامِ المبدعين بالقواعد المعيارية الموضوعة، والمبدعون يشتكون من تزمُّت النقاد، وإصرارهم على السير ضمن منهج محدد، ينبغي أن لا يُحاد عنه.

تبدأُ الإشكاليةُ ولا تنتهي، فالناقد مصرٌّ على رأيه، يُسبغ عليه صفة العلمية، في قبالِ مبدع يرفضُ العلميَّة التامة، إذ يرى النقد ذوقاً جماليًّا، لا قواعد وقوانين فقط، تتضخَّم الإشكالية وتبرز بوضوح حينما يصرُّ الناقد على منهجه المحدد ويرفض استبداله، في وقتٍ يسعى فيه المبدع إلى تجاوز المنهج وقوانينه! هنا يغدو الصِّدام حتميٌّ، والافتراق مؤكَّد.

هل ثمة افتراقٌ فعلي بين الناقد والمبدع، أم سحابة صيفٍ عابرة، تنتهي بعد وقتٍ، حين تظهر مناهج ومقاربات أكثرَ جدَّة وعصريَّة؟ سؤال يحدِّد العلاقة، ليس بين الناقد والمبدع فحسب، إنما بين جميع الأطراف المتداخلة في اهتماماتها وانشغالاتها؛ أي بين الناقد والناقد، والمبدع والمبدع.

النقدُ والإبداعُ لا يختصان بزمن، ولا يقفان في مكان، بل يتناوبان الظُّهور عبر الحضارات، وغالباً يتشاركان المشهد، ويتقاسمان الاهتمام؛ استنتاجٌ يمكن الوصول إليه من ملاحظة تطوُّر الفلسفات والنظريات والمناهج؛ كالمحاكاة، والبلاغة، والتفكيك.

المُحاكَاة اليونانيةُ

انطلقَ الأدبُ اليوناني من أبواب الاهتمام بتمثيلِ الحياة، والإشارة إليها، والتعبير عنها بكل طريقة ممكنة، فالمسرحياتُ خير مَن يُمثِّل هذا الاتجاه، إذ اتخذَ الكتَّاب أسلوبَ مقاربة الواقع؛ من أجل الكشف عن عيوبه، يليه الشِّعر الملحمي، الذي قارب أحداثاً تاريخية هامَّة، تشير إلى الصراعات، والأحداث المختلفة بين الملوك، والأمراء اليونانيين، حيث الفرق بينهما؛ أن الملحمة تثير رغبة النفس، في معرفة حقيقة ما حصل، خلال أزمنة قديمة، أمَّا المسرحية، فتهدف إلى صَدم الجمهور بالأحداث الواقعية القريبة.

ليسَ في الثقافةِ اليونانيَّة نقادٌ بالمعنى الاصطلاحي؛ يمارسون النظر في المعنى، ودراسة البِنيات التركيبية الداخلية والخارجية، واكتشاف العيوب والمحاسن، واقتراح الحلول والإجراءات، إذ جلُّ ثقافتهم اعتمدت الفكر، والفلسفة، والمنطق، والرياضيات، فبرز فيهم فلاسفة كبار، أثَّر اثنان في المسائل الإبداعية؛ هما أفلاطون وأرسطو، اللذان وضعا نظريات لمقاربة العمل الإبداعي، على أساس ”تأثيره“ في الأشخاص، و”محاكاته“ للموجود في الواقع، أو للموجود في عالم المثال، الموازي لعالم الواقع، فأفلاطون يرى أن الأعمالَ الأدبية؛ تستمد مادَّتها وأفكارها من عالم مثالي، موجود في السماء، يتوازى مع العالم الأرضي الواقعي، حيث جميع الصور والموجودات والأحداث؛ لها ما يشابهها في العالم الموازي، الذي يُعتبر الأكمل والأكثر إتقاناً، وهو ما عارضهُ أرسطو، الذي طرح نظريته الواقعية في المحاكاة، فجعل الأعمال الأدبية تحاكي أفعال الواقع وأحداثه.

اختلافُ محاكَاةِ أفلاطون عن محاكاة أرسطو؛ اختلافٌ في المنهج المستخدم لمقاربة العمل الإبداعي، دون التأثير على فنِّياته الداخلية، فحين اتَّجه أفلاطون إلى تأسيس مقاربته على أساس عالم غيبي غير مرئي، ولا يمكن مشاهدته، بل يجوز تصوُّره فقط؛ لكونه يعيش في الأذهان، اتَّجه أرسطو إلى بناء مقاربته عبر ملاحظة حياة الناس الواقعية، معتبراً إياها أصلاً للعمل الإبداعي، الذي ينبغي عليه نقلُ الهموم والأحزان، دون إضافات لا تناسبها، أو غير مُنطلقة من داخلها، ومن خلال الاختلاف بين المقاربتين؛ يمكن رؤيةُ تأثير الفلسفة على الفن والإبداع؛ حيث حالت دون حصول صراعات بين المبدعين، الذين انشغلوا بتطبيق مبادئ المحاكاة في أعمالهم، تاركين مهمَّة تقييمها للفلاسفة والمشاهدين.

الهدفُ الأسمى للمحاكَاة؛ تمثَّل في التأثير على المشاهدين، وجعلهم يعيشون الحدث، بكامل تفاصيله، وهو ما أدَّى إلى إنتاج فلسفة ”التطهير“؛ أي تطهير النفس البشريَّة، عبر رؤية آلام الآخرين، ومعاناتهم، والتأثر بها، لهذا تُعد جزءًا مكمِّلاً لنظرية المحاكاة، لا يمكن فصلها أو إلغاؤها، وإلا فقدت النظرية قيمتها وأهميتها، وغدت فعلاً عبثيًّا لا طائل من ورائه.

تفشلُ الأعمال الإبداعية؛ حينما لُا تؤدِّي دورها، في تطهير النفس البشريَّة؛ ظلَّت هذه الفكرة إحدى أهمِّ الأفكار، التي انشغل بها فلاسفة اليونان، ودارت حولها النقاشات العقلية، خصوصاً مع عدم انفصال العمل النقدي عن العمل الفلسفي، حيث الاثنان يصدران عن ذات الفيلسوف؛ ما جعل الصراع ينحصر بين الفلاسفة أنفسهم، ولاحقاً بين أتباعهم وتلامذتهم.

البلاغةُ العربيةُ

تأثَّر العربُ بأفكار فلاسفةِ اليونان ومقاربتهم للإبداع، وإن لم يتوقفوا طويلاً عندها؛ حيث الاشتغالُ بالنصوص فاقَ الاجتهاد العقلي الفلسفي، فالأهميَّة انصبَّت على الجوانب النصيَّة لا الحجج العقلية، التي ظلت ضمن أشكال محدودة، وعبر إشارات قليلة، صَدرت عن بعض المهتمين، وأصحاب النظر والرأي، ممن كانوا يمارسون تحكيم الشعر، سواء خلال الأسواق، أو عبر الالتجاءِ إليهم؛ للفصل في جودة بيتين، أو قصيدتين، أو شاعرين.

غلبةُ ”الاتجاهِ النُّصوصي“ على الفلسفة العقلية والاشتغال الفكري؛ دفعَ المهتمين إلى التركيز على الجوانبِ المتعلقة باللفظ؛ جودة، ودقة، وجرساً، ومعنًى، وهي أمور جمعَها ”عمود الشعر“، الذي أصبح قانوناً يسير عليه الشعراء، وينهجون عبره قصائدهم، فتسابقوا لتطبيقِ بنوده، وتنافسوا أيُّهم يحقق معاييره وقواعده، وهنا انقسم المبدعون إلى فريقين؛ فريق التزمَ القواعدَ كما وردت دون تغيير، وفريق نظر إلى الحياة وتغيُّراتها، وأراد التعبير عنها دون الالتزام بالقواعد الواردة، وما زادَ زخم المسألة، وأضاف إليها تعقيداً وتشابُكاً فوق تعقيدها وتشابكها؛ سيادة العرب على الأمم والشعوب، وسهولة انتقالهم إلى البلاد التي افتتحوها؛ وهو أمر منحهم آفاقاً من المعرفة، واتِّساعاً في النظر، لم يكن بحوزتهم زمنَ سكناهم جزيرة العرب.

أتباعُ المنهجِ القديم «المحافظون»، وأتباعُ المنهجِ الجديد «المجددون»؛ أثمرت المعارك بينهما، عن آثارٍ أدبيَّة، ما زالت باقية، ضمن الحياة الثقافية، حيث شهدَ التنافُس اختِلافات وخِلافات، تبدَّت عبر مجالات متنوِّعة، تجاوزت الإبداع الأدبي، إلى الفكري، والفلسفي، والتاريخي، والفقهي «في جانبه اللغوي»؛ ما أثرى الثقافة، وأعطاها قوة الابتكار، وهنا لم يكتفِ العرب بفنيِّ الشعر والخطابة، إذ أضافوا إليهما ”المقامة“، التي لا تقلُّ عنهما سموًّا ورفعة وأهميَّة.

تعتبرُ المقامةُ شكلاً أدبيًّا جديداً، ابتدعه العرب من صميم حياتهم وحضارتهم، حيث ضمَّنوها تراثهم اللغوي والبلاغي، مستخدمين قوالب فنيَّة مبتكرة، وصياغات أسلوبيَّة أنيقة ومدروسة، مزجت أهمَّ فنين عربيين ذلك الوقت؛ الشعر والخطابة، اللذان تشاركا الحضور والتأثير بداخلها، يُضاف إليهما إمكانات القصِّ الهائلة، التي ساهمت في إعطاء المقامة شكلها النهائي.

التنوُّع الكبير في خصائصِ المقامَة؛ جعلها مثار اهتمام الأدباء واللغويين، الذين قاربوها بالشرح والدراسة والتحليل، فمن ناحية تجاوزت المقامة مسألة اختصاصها بجنس أدبي محدد، إذ بداخلها تجاور الشعر، والنثر، والقص، ومن ناحية حوَت بلاغة عالية، وألفاظاً عربيَّة كادت تُهجر وتُترك، فأعادت بعثها، ضمن قوالب سهلة الحفظ والتذكُّر؛ ما جعلها صالحة لأن تحافظ على نقاء اللغة الآخذة في الانتشار والتوسُّع بين الشعوب، وهما أمران شديدا الإلحاح؛ بسبب موجات الحقد، والكراهية، والعنف، التي رافقت علاقة العرب بأمم وشعوب البلدان المفتَتحة، فيما عُرف تاريخيًّا بظاهرة ”الشعوبية“.

لا يمكنُ فصلُ ظاهرة الشعوبية عن الحياة الثقافية، خصوصاً ما تعلَّق منها بفن الشعر؛ إذ ارتبط تجديدهُ بالمولَّدين «مولود لأب عربي وأم غير عربية»، الذين تفوقوا على العرب الأقحاح؛ ما أعطى المسألة أبعاداً خرجت عن السيطرة، حيث كلُّ فريق أخذَ ينتصر للشاعر الذي ينتسبُ إليه، مسقطاً ما عداه، وبمرور الوقت ازداد التنافُس، وظهرت كتابات تُوازن بين الشعراء، فتسقط هذا وتعلي ذاك، ككتاب ”الموازنة بين الطائيين“.

كتابُ الموازنة؛ مثالٌ واضحٌ على المعارك الأدبية، وما أحدثته من تأثيرات إيجابية؛ قادت إلى تطوُّر الإبداع، إذ أدَّت النقاشات، والانتصار لرأي ضدَّ رأي، ولشاعر وأديب ضدَّ آخر؛ إلى الاهتمام بكافَّة القضايا اللغوية والبلاغية، والكتابة عنها بكثير من التفصيل والتوسُّع.

التفكيكُ الغَربي

للدرسِ البلاغي واللغوي تأثيرٌ كبير في توجيه الدراسات الغربية، خلال العصور الوسطى، إذ حينما تمَّ الاتصال بين الحضارتين، استفادَ الغربيون من تطوُّر الدِّراسات العربية، فأسَّسوا مناهجهم على الأصول التي اعتمدتها، ما مكَّنهم بعد ذلك من إنتاج معرفة جديدة؛ تمثَّلت في مناهج دراسية، اعتمدت نظريات فكرية وفلسفية، ابتدعوها بأنفسهم، متجاوزين بذلك المنجز العربي.

تنوَّعت المناهجُ بتنوع الفلسفات، وتنوَّعت المدارسُ الإبداعية بتنوع المناهج، فأصبح لكل طريقة أتباعٌ ومؤيدون، يرفعون من أهميتها، ويُقللون من غيرها، ما أفرز صراعات لا تتوقف، حيث أتباع المدرسة الرومانسية يُقللون من شأن المدرسة الكلاسيكية وأتباعها، وكذلك أتباع المدرسة الرمزية يُقللون من شأن المدرستين الرومانسية والكلاسيكية وأتباعهما، وبالمثل يُقلل أتباع المدرسة الواقعية من شأن المدارس السابقة وأتباعها، صراعٌ حادٌّ بين المناهج والنظريات؛ انعكس على المدارس والأدباء، وأنتج العديد من التحولات في الأساليب والمقاربات، لعل أبرزها حضور الدَّرس ”الألسني“ في المناقشات الإبداعية، حيث تمت الاستفادة منه في تأسيس وإقامة المنهج البنائي ”البنيوي“.

استقرَّ المنهجُ البنيوي كأحد أهمِّ المناهج الدراسية في مقاربة الإبداع، منذ بدايات القرن العشرين، وإلى ما بعد منتصفه بقليل، حينما شعر المنتمون إليه، وعلى رأسهم ”رولان بارت“، بالحاجة إلى تجديده، فأعلنَ الانسلاخ عنه، والتوجُّه إلى تأسيس المنهج ”التفكيكي“، مبرزاً عيوب البنيوية، وعدم مناسبتها للعصر، وهو أمر أحدث زلزالاً ثقافيًّا، ظلَّت اهتزازاته وارتداداته إلى اليوم، فالجامعات والأكاديميات لا زال الكثير منها يعتمد الدراسات والأطروحات البنيوية، إذ ليس سهلاً استحداثُ مسار بحثي جديد لمجرد دعوة أو اقتراح! وبغض النظر عن كيفية استقبال المنهج الجديد، ومدى تأثيره في الساحة العالمية، وصولاً إلى البيئة العربية، يعدُّ استحداثُ منهجين نقديين خلال قرن واحد؛ تطوراً مذهلاً في عالم الثقافة، والفكر، والفلسفة، لم تشهده البشرية من قبل.

أثَّرت الخصومةُ بين أتباعِ المنهجين على الساحة العربية، فأُنتجت الكثير من الدراسات والمقالات التطبيقية والتنظيرية، حيث أصبح هنالك أتباعٌ ومناصرون لكل منهج، وقد يحدث أن ينتقل أحد من هؤلاء إلى الضفة الأخرى، مثلما فعل الدكتور عبد العزيز حمودة «رحمه الله»، حين أعلن توبته الثقافية، ورجوعه عن الحداثة ومناهجها! محوِّلاً الخصومة من الثقافة إلى الدين، فانتقلَ بالصراع من مجرد رأي وذوق إلى إيمان واعتقاد، وهو أمر شديد الخطورة، ينذر بحدوث كوارث حين يستمرُّ بالانتشار والنمو.

المعاركُ والخصوماتُ التي حصلت بداية القرن العشرين، سواء بين الجماعات الأدبية المختلفة؛ كالديوان، وأبولو، والإحياء، والمهجر، أو بين الأدباء في مصر والعراق، والشام، كان لها دورٌ فاعلٌ في دفع عملية ”التطوير الإبداعي“، والاتجاه ناحية الاهتمام بالنصوص؛ شرحاً، وتفسيراً، وتحليلاً، وغوصاً؛ بحثاً عن أفكار ومعاني مبتكرة، فمن تأثيراتها الإيجابية استحداثُ اتجاهات غير موجودة؛ كالشعر الحر، والمرسل، والتفعيلة، حيث لم يعد مصطلح الشعر حين يُطلق؛ يقتصر على العمودي، وما يقترب منه؛ كالموشح، والبند، والموال، وسواها، إذ غدت هنالك طرقٌ كتابية، لم تكتفِ بعدم التزام القوانين المعيارية للكتابة، إنما ألغَتها!

التزامُ شِعر التفعيلةِ الكتابةَ على البحور الصافية «تكرار نفس التفعيلة»؛ أحداثَ انقساماً داخل البيئة الثقافية، ما أفرزَ الكثير من الكتابات المؤيدة والمعارضة، إذ لم تكَد الأوضاع تهدأ، بعد اختيار رائده، وتحديد شروط كتابته، إلا وعادت الصراعات إلى الظهور، مع انتشار ”الشعر النثري“، و”قصيدة النثر“، فمثلما أفضت الخصوماتُ والمعاركُ الأدبية مطلعَ القرن العشرين؛ إلى إيجاد بيئة خصبة، ناقشت كافَّة قضايا الإبداع، وعلى رأسها القضايا الشعرية، فأثَّرت في الساحة الثقافية، وأثرتها بالعديد من الكتابات، والأجناس، كذلك غدا تأثير الخصومات والمعارك نهاية القرن؛ إذ تم تطويرُ أشكال إبداعية جديدة؛ كالومضة، والهايكو، والق. ق. ج «القصة القصيرة جدًّا»، والسوناتة.

ختاماً

المعاركُ والخصوماتُ الأدبية أثناء العصر اليوناني، اقتصرت على الفلاسفة والمفكرين؛ الذين ابتعدوا بها عن المبدعين، إذ رأوهم أشبه بالأدوات التي تنسج، دون قدرة على الإضافة والتغيير، فألزموهم بمعايير محددة؛ هدفها إحداثُ تأثيرات على المستمعين والمشاهدين؛ تقود إلى تطهير آلامهم ومشاعرهم السيئة، وهو ما اختلف عنه العرب؛ الذين اهتموا باللغة والبلاغة، فصبوا جلَّ طاقتهم في تطويرها، واستحداث مناهج دراستها، مع اهتمامٍ قليلٍ بالجوانب الفلسفية، والنفسية، والفكرية، الأمر الذي قاد إلى ضمور الدراسات حولها، وبقائها عند نقطة محددة، لم يستطع العرب تجاوزها، رغم امتداد الزمن بهم، حتى بات يُطلقُ على تلك الفترة الزمنية ”عصر الانحطاط“؛ الذي يعني إعادة السابق، والاتكاء عليه، وهو أمر يُفسِّر الرجوع بكثرة إلى شعراء العصور السابقة؛ لشرحهم، وتحليل قصائدهم، وتكرار العودة مرة بعد مرة، رغم إشباعها، وانتهاء الاستفادة منها، هذه الإشكالية حاولت التفكيكية تجاوزها، ففتحت الباب أمام تعدد التأويلات، مانحة لكل تحليل أهمية، ولكل قراءة قيمة، وبهذا خرجت من أسر المناهج اللغوية البلاغية، ومن أسر فلسفات التطهير والتأثُّر.