آخر تحديث: 26 / 4 / 2024م - 6:04 م

خزانة الأخلاق الرياضية

أثير السادة *

لم تكن الأرض لتسع فرحة الخليج وجماهيره بعد تعادله الأخير مع نادي النصر في دوري روشن، وهو التعادل الذي يهب الفريق المتأرجح على الحافة رصيدا جديدا في خزانة الأمل، أمل البقاء في دوري الكبار، والهروب من شبح الهبوط والعودة للدوري الذي أقام فيه ردحا طويلا.. في هذا اللقاء لم يسرق الخليج نقطة المباراة فقط، بل سرق الآمال النصراوية بمزاحمة الاتحاد على الظفر ببطولة الدوري، وهو يوسع الفارق بينه وبين هذا الأخير في النقاط، الأمر الذي جعل من الخليج فارس الجولة الأخيرة، وسارق أضوائها، حيث المقارنات التي لا تنقطع بين إمكانيات الخليج والنصر، النصر بتاريخه ونجومه وأمواله.

كان التعادل بطعم الفوز في عيون الجماهير المحبة لهذا الفريق، ومثلها جماهير الاتحاد التي كانت تراقب بقلق نتيجة هذه المباراة، وهذا ما يفسر طبيعة الاحتفالات التي جرت بعيد المباراة في الملعب، وطبيعة التعليقات التي استمرت لاحقا في منصات الكلام الالكترونية، الشعور بعلو الكعب كان حاضرا في لغة جمهور الخليج، وصدى الصراع على الصدارة تسلل هو الآخر إلى الاحتفالية التي لم تبخل في ”الطقطة“ على تبخر الأحلام النصراوية، والاسراف في التذكير بنهاية موسمه دون الظفر بشيء يذكر.

في الظاهر لم يكن هنالك ما يقلق في مشهد الفرح إياه، فثمة جمهور محبط وغاضب لخسارة نقاط المباراة، وجمهور آخر مبتهج ومنتشي باستفاقة فريقه ونيله المزيد من النقاط المهمة، لا صدامات ولا عبارات خارجة عن الذوق العام، غير أن تغريدة مهمة وجدتها لعراب المرحلة في نادي الخليج، ومن المؤثرين في اتجاهات القرار فيه، يلوح فيها لجماهير النادي بالعتاب لخروجهم عن اللياقة، وكان ذلك تعليقا على مقطع يظهر فيه مشجعو الخليج وهم يرددون: لعيون الاتي.. نصراوي يبكي، مذكرا إياهم بقيمة نادي الخليج وقيمه، وبتاريخه الكبير الذي بفرض التغريدة لا يقبل هذا اللون من التهكم والمزاح.

كان واضحا بأن العلاقة الودية بين الفريقين هي الباعث على الشعور بالحرج من هذه الأهازيج، فضلا عن كون الخليج ضيفا على النصر في مباراته تلك، الأمر الذي سيؤكده بيان الخليج بعد المباراة، وهو يحمل عبارات الشكر والثناء على حسن الضيافة، ويؤكد على ”العلاقات التاريخية بين الناديين“، في ما يشبه الاعتذار المبطن لكل الصور والمقاطع التي حاولت أن تظهر الخليج كبعبع تاريخي في مسيرة نادي النصر.

موقف الخليج أخلاقي بالدرجة الأولى، ويدخل في خانة إدارة العلاقات العامة بالدرجة الثانية، ثمة أشياء قد تبدو صغيرة وعابرة لكنها تترك خدشا في مشهد الرياضة، قد يختلف الناس في تقديرها، وحدود تأثيرها، إلا أنها تستحق الالتفات والمراقبة والمعالجة متى ما استلزم الأمر.. أكثر الأسئلة الأخلاقية في الرياضة تبدأ من هنا، من لحظة التفكير في الآخر، لا أحد يملك العيش وحيدا في مشهد الحياة، هنالك دائما آخر يشاركنا العيش والأرض وكل تفاصيل الحياة، إدارة العلاقة معه هي المحرض على صيانة كاتالوج الاخلاقيات الذي يوقظ فينا احساسينا ويهبنا القدرة على التمييز بين ما يليق وما لا يليق.

هذا الحرج الذي تصفه تغريدة صديقنا بوضوح، ويؤكده بيان النادي بشكل صريح، هو ذاته ما يحرضنا على التحديق في مرايا الذات، ومراقبة لغة ناسنا وسلوكياتهم في مشهد الرياضة، هي ما يدفعنا لحمل عتابنا على حبال الكلام الممتدة في بعض الأحيان، والتذكير بخزانة الأخلاق الرياضية، وبالخصوص حين ينتهك الحرج فضاء العلاقة مع القريبين منا، حين ينتهك المسافة من الود والتعايش معهم، ويدخلنا في احتمالات التنازع والخصام.. هنا بالتحديد يصبح الكلام حول التعصب ليس ترفا، بل دينا علينا سداده قبل أن يتضخم ويصبح تركة ثقيلة على الناس.