آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 4:07 م

ظاهرة الفضول والتطفل

أحمد منصور الخرمدي *

التدخل في شؤون الآخرين وعدم احترام خصوصياتهم وكذلك التبحر في نوايا الناس والبحث خلف أسرارهم، هي من المحظورات التي نهى عنها الإسلام، فمن قوله ﷺ ”من حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه“.

إن ظاهرة الفضول والتطفل، مرض نفسي وآفة اجتماعية هادمة، وهي سلوك عدواني ناتج من أسباب عديدة ومتنوعة منها، النقص والفشل والشعور بالغيرة والحسد، فحياة الناس الخاصة وأسرارهم هي ملك لهم وحدهم، فلا ينبغي لأي شخص من قريب أو بعيد، أن يتدخل ويقتحم هذه الخصوصية كما يقتحم البيت دون استئذان.

فمن الأدب ترك سؤال الناس عن أحوالهم وأمورهم التي تخصهم، فمن من الواجب أن يُتركوا وشأنهم، فالتحايل على الناس قد يكون سهلاً، ولكن من الصعب جداً، الفرار من غضب الخالق سبحانه وتعالى وعقوبته في الدنيا والآخرة.

على الإنسان أن يدرك، أن عدم التدخل في خصوصيات الآخرين، لا ينقص من عمره شيء، ولا يؤخذ من رصيده ولا هللة واحدة، وإن الانشغال بخصوصيات الناس ليست من الشيم والعدل، وفيها مضيعة للوقت وإهدار لماء الوجه وتقلل من قيمة الشخص وكرامته واحترامه في مجتمعه، وقد جاء من القول السديد، إذا رأيت قساوة في القلب ووهناً في البدن وحرماناً في الرزق فأعلم بأنك تكلمت بما لا يعنيك.

إن أخطر ما توعد الله به صاحبه وفاعله، الحسد والنميمة والغيبة، فيها دناءة النفس والحقد والبغضاء، وقد جاء من القول المأثور للإمام الصادق ، إن هذه السلوكيات البغيضة هي من الأمراض النفسية يؤدي بعضها إلى بعض، ويقوي بعضها بعضاً، فالحقد والحسد يدعو إلى الغيبة والنميمة، وهما يقويان بعضهما بعضاً، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ [الحجرات: آية 12]

وقوله ﷺ عن الغيبة: ”ذكرك أخاك بما يكره“

والنميمة فعل مشين، نقل الكلام من شخص إلى آخر لغرض الإفساد وزرع الفتنة والشحناء والبغضاء، قال الله تعالى متوعداً صاحبها: ”ويل لكل همزة لمزة“.

الغيبة، النميمة، الحسد، صنفت بالثالوث الخطير، شبح مخيف يطارد العلاقات الحميمة بين الأفراد، أخطبوط فتاك يبطش بالحياة الاجتماعية، فيها من المساوئ والمشاكل الكبيرة، تُحمل أصحابها الذنوب التي توجب عذاب القبر، وقد حرمت جميعها، لما فيها من الكذب والغدر والخيانة والخديعة وكيل التهم جزافاً، وهي تجر من يقوم بها والعمل عليها، إلى غضب الله وسخطه وأليم عقابه سبحانه تعالى.. ذا الجلال والإكرام.