آخر تحديث: 27 / 4 / 2024م - 1:39 ص

رشة وجدانية رقيقة!!

تعدد العوامل المؤدية إلى انهيار العلاقة الزوجية بعد وقوعها تحت معول الضرب والتوتر المتكرر، ومن أهم تلك العوامل التي تعد كالمرض الخفي الذي يسري اضطرابا وتوتيرا وهدما في علاقة الزوجين، حتى يظهر فجأة بهيئة تباعد وصمت وصولا إلى حالة الانفصال المؤلمة، ألا وهو حالة الإهمال العاطفي وعدم إظهار الاهتمام بأحوال واهتمامات الشريك الآخر، وعدم مشاركته في همومه وتخطيطه المستقبلي من خلال تبادل وجهات النظر وتسليط الضوء على إيجابيات أو سلبيات أي فكرة أو مشروع، فهذه الوقفة والاهتمام بالآخر تأخذ مأخذها الكبير من وجدانه وفكره وتشعره بمكانته عند شريكه، وأما لو وقع الشكل المعاكس وأظهر كل طرف اللا مبالاة وأن أحوال الآخر لا تمسه بأي شكل من الأشكال، فالنتيجة المحتمة أن تكون تلك الفجوة الكامنة في علاقتهما في حالة تضخم بمرور الوقت حتى تقطع حبل المودة والاحترام بينهما، وهذا الإهمال قد لا يكون متعمدا ولكنه جاء نتيجة غفلة عن أهمية إظهار الاهتمام بشكل مستمر لتنمو شجرة المودة بينهما، فالاهتمام كالماء يسقي تلك الشجرة ويسهم في نموها وازدهارها ومتى ما انقطع يبست وذبلت، وهذه الرشات الوجدانية الرقيقة لا تأتي من فراغ بل هي نتاج عمل مثابر واهتمام مستمر بالشريك الآخر بغية الوصول بعلاقتهما إلى أعلى درجات التفاهم والانسجام والتألق والترفع عن محطات التوتر والاضطراب.

ولا بد من تسليط الضوء على الثقافة الزوجية التي تلقاها الشاب والفتاة وكيفية التعامل بين الطرفين وخصوصا في مشهد الاختلاف وسوء التفاهم بينهما، فهناك من تربى على التزمت في الآراء ويصرح باستمرار بأنه لا يخطئ وإن أخطأ لا يعتذر، وهذا بلا شك يسهم بقوة في إحداث التوترات بينهما وإهماله لحالة الزعل بينهما مما يحولها إلى بداية تنافر وتباعد وضعف في العلاقة العاطفية بينهما، ولذا نؤكد على أهمية تثقيف الشباب بأهمية مراعاة الحالة النفسية لشريك الحياة وإبداء الاهتمام المستمر به لتتكامل علاقاتهما ويتجاوزا محطات الخلاف بينهما، فالتراكمات السلبية الكارثية ناجمة عن إهمال لمعالجة المشاكل الحادثة بينهما مما يؤدي إلى تفاقم الأمور بينهما واتساع مساحة الجرح العاطفي.

كما أن صفة الأنانية والتعالي والنرجسية قد نمت في شخصية الشاب أو الفتاة بسبب الدلال الزائد من قبل الوالدين، وحينما أقبل على العلاقة الزوجية التي يفترض فيها الشراكة في الاهتمام وتبادل المشاعر، لم يستطع أن يكون طرفا فاعلا ومساهما بل اختار مبدأ الأخذ بنحو مستمر دون مد يد العون لشريك حياته في الأوقات التي يحتاج فيها إلى مساندة!!

الاهتمام في أحد ميادينه هو تحمل المسئولية في مواجهة المشكلة أو الموقف المتأزم بينهما، من خلال الإسهام في تهدئة الموقف وتبريد الأجواء بينهما حتى تتلاشى نوبة الانفعال الشديد، ومن ثم الجلوس على طاولة الحوار واستماع وجهة نظر الآخر وصولا إلى البحث عن مخارج وحلول ممكنة ومناسبة ترضي الطرفين.

ونؤكد على نتيجتين مترتبتين على حالة الإهمال واللا مبالاة بين الزوجين، وهما: الوصول إلى محطة الانفصال، والتأثير السلبي على شخصيات أبنائهم، فالطلاق في بعض محطاته حل غير مناسب وليس بمقبول، وذلك إذا كانت الأسباب بسيطة يمكن تلافيها أو مغفولا عنها وتضخمت كالمرض الخفي حتى هدمت عرى العلاقة بين الزوجين، والإهمال له عوامله المختلفة وما يهم هو معاكسته ومباينته من خلال الاهتمام بمشاعر وطموحات شريك الحياة فذلك يكسبهما قوة في مواجهة مشاكل وتحديات الحياة، والأمر لا يحتاج إلى ذلك التكلف أو تصور انحصاره بالهدايا القيمة ماديا، بل هو كلمات تعبر عن المشاعر الوجدانية الصادقة فتستقر في قلب الآخر، وجلسات الحديث عن الهموم أو المشاكل الحياتية يبعث برسالة مفادها أن شريك حياتك معك.

والنتيجة السلبية الأخرى هي تأثير حالة الإهمال بين الزوجين على الأبناء وما يتسرب لهم من آفات تربوية وأخلاقية، ففاقد الشيء لا يعطيه فلا يمكن لمن أهمل مع شريك حياته أن يكون معطاء في مشاعره واهتماماته بهم، والأبناء اليوم يواجهون الكثير من المشاكل والتحديات التي لا يستغنون في تجاوزها بسلامة عن توجيه ومتابعة الوالدين، فالسعادة والهدوء النفسي والأمان الأسري سينعم به الأبناء إذا جعل الوالدان في سلم أولوياتهم استقطاع الوقت لمتابعة أبنائهم والجلوس والحديث معهم واستماع مجرياتهم اليومية وما يدور في أذهانهم.