آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 3:01 م

المملكة وإيران.. دبلوماسية المهام الإنسانية

حسن المصطفى * صحيفة الرياض

نشطت المملكة في عمليات إجلاء واسعة، قامت على إثرها بنقل 7839 شخصاً من السودان، بينهم 247 مواطناً سعودياً، ونحو 7592 فرداً ينتمون لـ 110 جنسيات مختلفة.

السبت 29 إبريل الماضي، وصل مدينة جدة، 65 إيرانياً تم إجلاؤهم من الجمهورية السودانية، التي تشهد اشتباكات مسلحة بين الجيش و”قوات الدعم السريع“.

الإيرانيون الذين تم الترحيب والعناية بهم شأنهم شأن بقية القادمين، انتشرت مقاطع مصورة عدة لاستقبالهم في أرض المملكة، وتحديداً فيديو استقبال قائد المنطقة الغربية في السعودية اللواء طيار أحمد الدبيس، للقائم بأعمال السفارة الإيرانية في المملكة حسن زرنكار، حيث تبادل الجانبان عباراتٍ فيها من الترحاب والشكرِ الكثير.

الفيديو الذي لقي تفاعلاً كبيراً في وسائل التواصل الاجتماعي، بدأ بعناقٍ حارٍ بين الدبيس وزرنكار، تلاه قول الدبيس ”إيران أصدقاء لنا، أحبابنا، الله يحييكم، وإن شاء الله إقامة سعيدة في بلدنا.. هذه توجيهات القيادة، توجيهات الملك وسمو ولي العهد وسمو وزير الدفاع.. الاهتمام فيكم وتقديم كل الرعاية وكل ما تحتاجونه“، وسط تكرار عبارات الشكر والامتنان من القائم بأعمال السفارة الإيرانية في المملكة.

هذا الحديث العفوي بين شخصيتين عسكرية ودبلوماسية، بما تضمنه من التأكيد على الصداقة والاحترام بين الشعبين السعودي والإيراني، يعبر عن موقفٍ واسع لدى جمهورٍ من المواطنين في البلدين، يجدون أن استقرار منطقة الشرق الأوسط وتنميتها لا يمكن أن يتم دون وجود علاقاتٍ إيجابية بين السعودية وإيران، وأن قدرة البلدين على إدارة الاختلافات، وحل الملفات العالقة، وبناء الثقة، والتعاون المستقبلي سياسياً واقتصادياً وثقافياً وأمنياً ورياضياً، سيخلق شبكة أمانٍ واسعة، تستطيع أن تكون حائط صدٍ ضد الاضطرابات التي تعيشها بعض دول الشرق الأوسط؛ وهي الشبكة التي لن يكون العمل على تكوينها سهلا، بل تحتاج لوقتٍ ومقدارٍ كبير من الشفافية والتعاون الحقيقي، الذي يتجاوز خطاباتِ المدحِ والثناء؛ إلا أن وجود هذه اللغة الإيجابية والودية بين المسؤولين خطوة مهمة جداً لتخفيف الاحتقانات التي سادت سابقاً في الشارع العام، بسبب بعض التصريحات التي أطلقتها جهات متشددة أو متمذهبة أو قومية.

هذه الإيجابية في الحديث لم تكن بين المسؤولين الحكوميين وحسب، بل حتى لدى المواطنين الإيرانيين القادمين من السودان أيضاً.

فتاة إيرانية التقتها قناة ”الإخبارية“ السعودية، كانت تروي تجربتها في السودان، قائلة ”الوضع كان مخيفاً، ولا أعلم ماذا نفعل، لأنه لا توجد سفارة «لإيران» في السودان، وكنا نتمنى المساعدة.. وعندما سمعت عما تقوم به السعودية للإيرانيين، ونحن نقدر ذلك، فهي كانت أملنا في مغادرة السودان.. ولحسن الحظ نحن الآن هنا في أمان“.

من جهتها، نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن مهرداد مالك زاده، الذي كان من بين الوافدين من السودان، قوله ”صراحةً لم نتخيّل أبدًا أننا سنأتي إلى السعودية عندما سيتمّ إجلاؤنا بسبب جنسيتنا“.

هذه المشاعر التي جاءت صريحة دون رتوش، من مواطنين إيرانيين، تنبئُ عن الأثر الإيجابي والسريع لتحسن العلاقات بين السعودية وإيران، وكيف أن للدبلوماسية الناعمة، التي اتخذت الإجلاء الإنساني طريقاً لها، أن تؤثر بشكل مباشر وعميق في أنفس وعقول المواطنين، خصوصاً عندما يرون أنفسهم في مأمنٍ من الموت.

الشعوب في منطقة الخليج العربي ملّت الصراعات، وتريد العيش بسلام، فأن يشاهد أكثر من مليون شخص، فيديو قائد المنطقة الغربية اللواء طيار ركن أحمد الدبيس، وهو على متن الطائرة مودعاً المواطنين الإيرانيين، ويقول لهم أنتم مرحب بكم في أي وقت عندما تأتون للمملكة للحج أو العمرة أو الزيارة، فذلك دليل متين على قوة الخير والدبلوماسية التي تتعامل مباشرة مع الجمهور، من خلال التأكيد على المشتركات والتعاضد في وقت الأزمات.

دبلوماسية يمكنها أن تدفع أصوات التطرف والتأزيم السياسي نحو العزلة، وأن تكون أقل قدرة على التحشيد، بعد ما لمس الجمهور العام كيف أن العجلة تدور بوتيرة صحيحة نحو علاقات قائمة على الاحترام وحسن الجوار والتعاون بين دولتين مهمتين في الشرق الأوسط؛ يمكنهما أن تكونا رافعتين لتغيير حقيقي، وهو ما تسعى له القيادة السعودية، من أجل خليج ينشغل برفاهية وتنمية شعوبه، عوضَ الحروب والنزاعات.