آخر تحديث: 26 / 4 / 2024م - 11:28 م

تجسيد القيم

محمد أحمد التاروتي *

ترجمة القيم الإنسانية تكشف معادن البشر على الواقع الخارجي، فالمنظومة الأخلاقية ترسم خطوطا واضحة، فيما يتعلق بالعلاقات الإنسانية، بحيث تتخذ أشكالا متعددة، ولكنها تصب في قناة الارتقاء بالمبادئ الفاضلة، الأمر الذي يفسر الفوارق الكبيرة بين الممارسات البشرية، في مختلف البيئات الاجتماعية، خصوصا وأن القناعات الأخلاقية يتطلب تطبيقها على الواقع المعاش، بهدف إحداث تأثير مباشر على المحيط الخارجي، لا سيما وأن القيم الإنسانية تبقى محل إجماع لدى مختلف البشر، باعتبارها ممارسات قادرة على تقريب الفوارق، سواء في أوقات الرخاء، أو مناسبات الشدة.

إبراز القيم الإنسانية عنصر أساسي في تكريس حالة التآخي، خصوصا وأن تقديم المساعدة للمحتاج في الأوقات العصيبة يمثل مطلبا إنسانيا، وبالتالي فإن ظهور فئات قادرة على توظيف الإمكانات المتاحة، في إظهار الجانب الإنساني، يعطي دلالة واضحة على طبيعة التفكير الأخلاقي لدى تلك الفئات، لا سيما وأن الأنانية تدفع نحو الاستحواذ على المكاسب في أوقات الشدة، نظرا لوجود مبررات لانتهاج طريق الأنانية، بيد أن تغليب القيم الإنسانية على دوافع الأنانية، يخلق حالة من الارتياح لدى الأطراف الأخرى، بحيث تجد أصداء واسعة تترجم على أشكال مختلفة، بعضها ذات علاقة بمستوى العلاقات الاجتماعية على المدى القريب، والبعض الآخر تكون آثاره الإيجابية في المستقبل.

البيئة الاجتماعية تشكل نواة أساسية، في تحفيز القيم الإنسانية، لدى العديد من الفئات، خصوصا وأن المنظومة الأخلاقية الحاكمة في المجتمع، تدفع باتجاه الإعلاء من شأن القيم الإنسانية، ”النّاسُ صِنْفانِ إمّا أَخٌ لَكَ في الدِّيْنِ، أو نَظِيرٌ لَكَ في الخَلْقِ“، وبالتالي فإن النظرة الفلسفة لطبيعة التعاطي مع البشر، تمثل المدخل الأساس وراء اتخاذ الخيارات المناسبة، فإذا انطلقت من مبادئ أخلاقية وقيم فاضلة، فإنها تنعكس بصورة مباشرة على الاستجابة السريعة، لتقديم العون والمساعدة للآخرين، بعيدا عن النظرة الضيقة النابعة من منطق ”الربح والخسارة“، فيما النظرة الانتهازية والاستغلالية تدفع باتجاه توظيف الظروف الصعبة، لتحقيق الكثير من المكاسب على الأرض، فكل خطوة لتقديم العون ومد يد المساعدة، يقابلها خطوتان من التنازلات للأطراف الأخرى، نظرا لسيطرة الأنانية والمصالح على التفكير في مختلف الخطوات المتخذة.

تجسيد القيم الإنسانية أمر مطلوب على الدوام، فالقيم الإنسانية تشكل الإطار الجامع لكافة المجتمعات البشرية، خصوصا وأن الجميع ينظر باحترام للفئات التي تتحرك بدوافع إنسانية، نحو إنقاذ بعض الفئات من حالة البؤس إلى بحبوحة الرخاء، فالمساعدات لا تقتصر على الجوانب المادية، ولكنها تشمل كذلك العناصر المعنوية ”الكلمة الطيبة صدقة“، وبالتالي فإن انتهاج سبيل ”المناصرة“، يسهم في تكريس المبادئ الإنسانية القادرة، على هزيمة بعض الأفكار الانتهازية، التي تحاول الاستحواذ على التفكير الاجتماعي، انطلاقا من قناعات بضرورة الالتفات للنفس، وعدم التفريط بالمكاسب من أجل تقديم المساعدة للآخرين.

فهم فلسفة النظرة الشمولية للقيم الإنسانية، يشكل مدخلا مهما في طريق تكريس ثقافة ”المساعدة“، في التفكير الاجتماعي، خصوصا وأن الصراع القائم بين القيم الإنسانية ومفهوم الأنانية، يعرقل الكثير من المبادرات على الصعيد الاجتماعية، فالبيئة الاجتماعية التي تتغلب على مفاهيم الأنانية، تتحرك بارتياح بعيدا عن الضغوط الخارجية أو الداخلية، بحيث تظهر على ممارسات خارجية تكرس القيم الإنسانية على الأرض، بمعنى آخر، فإن حالة الصراع الداخلي بين القيم الإنسانية ومفهوم الأنانية، تكون نتائجه محسومة سلفا، لدى بعض الفئات الاجتماعية، باتجاه إعلاء شأن القيم الإنسانية، بينما تفشل بعض الفئات في حسم الصراع، مما يجعلها فريسة سهلة لمفاهيم الأنانية.

بكلمة، فإن تجسيد القيم الإنسانية، لا يتأتى دون وجود منظومة أخلاقية، قادرة على استيعاب مختلف أنواع الضغوط الداخلية والخارجية، نظرا لوجود مرتكزات قادرة على تجاوز مختلف أشكال الأنانية، التي تحاول تكريس الواقع السلبي في التفكير الاجتماعي، وبالتالي فإن القيم الإنسانية بإمكانها اجتياز الامتحانات الصعبة، التي تواجه البيئة الاجتماعية، فيما يتعلق بتقديم يد المساعدة للفئات المحتاجة، باعتباره جزءا أصيلا من المنظومة الأخلاقية، الداعمة لمثل هذه الأعمال الإنسانية.

كاتب صحفي