«انتظار ذلك القارئ»
«انتظار ذلك القارئ»
مَنْ لي بقارئٍ كَثُرَ عِلْمُه
فمن كثر علمه - كما يُقال - قلَّ اعتراضُه
ذاك لأنَّهُ يرى الرؤى متساوية
متساوية لرجوعِها إلى منشأٍ واحد
إلى الاجتهادِ فهو الشجرة
هو الشجرةُ والرؤى ثمارها
مَنْ لي بقارئٍ أبدي ما أرى أمامَهُ
أبدي أمامَهُ وأنا مرتاح
وأنا في سكينتي التي تشْبهُ بريقَ النجوم
حيث لا يُضايقُ بريقها الليل
ولا يتأفَّفُ مِنْ وجودِهِ
تأفُّفَ الضِّدِّ للضِّد
الضّدّ الذي يجهلُ فضيلةَ ضدِّه
فضيلتهُ في إظهارِ حُسنِهِ المتشاغَلِ عنه
ليتني أظفرُ بمن لا يُقدِّسُ مقدماتِ الحكمة
بمن يَقبلُ الإطلاقَ على خفَّةِ دمِه
دون أنْ يُحمِّلَهُ نصْبَ قرينة
دون أنْ يعترضَ على مَنْ يؤمنُ بإطلاقٍ خفيفِ الدم
دون أنْ يتَّهمَ المؤمنَ بذلك بالجهل
ليتني أحظى بمن تُطربُهُ غانيةُ الحي
بمن يُترجمُ قصيدةَ ديكِ الجنِّ إلى لغاتِ الإنسِ الأغيار
مثلما يُترجمُ قصائدَ الأغيارِ ليقرأها ابنُ جِنِّي
يقرأها المشغوفُ بشِعْرِ أبي مُحَسَّد
ذاك الذي شَغَلَ الخَلْقَ بِشِعْرِه
أغواهم بالسَّهَرِ مثلما تُغوي الأجهزةُ اللوحيةُ الأطفال
ليتني أظفرُ بقصيدةِ نثرٍ ليستْ على شرط البِرْناريِّين
بقصيدةٍ لها ما للإطلاقِ مِنْ خفَّةِ دم
تحفظُها جَدَّتي التي تحفظُ نثراً كثيراً
نثراً لا عيبَ فيهِ أبداً
سوى أنَّهُ ليس على شرطِ البرناريِّين
ليت البرناريِّين يَقبلون نثرَ جدَّتي
يُسَوِّدون به صفحاتِ مجلاتِهم
يجعلونه متعايشاً مع نصٍّ على اشتراطِهِم
فالطباقُ والمقابلةُ - كما قال أجدادنا - يُزيِّنانِ النص
يمنحانِهِ حَرَكيَّةَ الحياة
وهو بدورِهِ يمنحُ المجلةَ إكسيرَ الانتشار
ليتني، غير أنَّ الاعتراضَ لا يَقبلُ بلغةِ أكلوني البراغيث
يُلغي القصيدة التي تُعملُ لا النافيةَ للوحدةِ في الشِّعر
ليتني أداةُ تَمَنٍّ ياؤها اسمي
لكنَّ خبرَها في علم الغيب
وأنا غائبٌ حتى يَتعَيَّنَ تَعَيُّناً حضوري
حتى يذبحَ المأمورون البقرةَ من أوَّلِ أمْر
دون أن تقودَهم اللجاجةُ إلى التضحيةِ بالبقرة الثمينة النادرة
فكم غائبٍ غيابُهُ حضورٌ في ذاتِه
وكم حاضرٍ حضورُهُ غيابٌ في ذاتِه
وكم كنت - ومازلت - أنتظرُ من يَقبلُ بالإطلاق
يَقبلُ بهِ دون لجاجةِ نصْبِ القرينة
قلتُ يقبلُ ولم أقلْ يؤمن
فالقبولُ أمارةُ الحيويَّة
والإيمانُ أَمَارةُ أَمارةِ القبول