آخر تحديث: 24 / 4 / 2024م - 11:56 م

أخلاقيات الصراعات

محمد أحمد التاروتي *

وسط مشاهد الدمار والقتل، وانعدام القيم الإنسانية في مختلف الصراعات الدامية، تظهر صورة مشرقة تعيد الأمل في المنظومة الأخلاقية لدى البشر، حيث يكرس البعض جانبا من وقته، وقدرا كبيرا من إمكانياته، في سبيل إنقاذ الأبرياء، ومحاولة إعادة البسمة على شفاه الكثيرين، خصوصا وأن مظاهر الفرح تختفي تماما مع استمرار آلة الحرب، في حصد الكثير من الأرواح البريئة.

الجانب المشرق من الصراعات الدامية، يصدر من الفئات القادرة على إزالة الأتربة، عن الصورة القاتمة للمشهد العام، حيث تحرص على إظهار الوجه الجميل من الأخلاقيات الإنسانية، من أجل إحداث حالة من الاستقرار النفسي، لدى الشرائح المتضررة من نشوب تلك الصراعات، حيث يتجلى في الكثير من المواقف الإنسانية، سواء عبر تقديم المزيد من الدعم المالي، أو محاولة انتشال الأبرياء من وسط المعارك الدامية، الأمر الذي يحدث حالة من الارتياح، على الصعيد الاجتماعي.

الافتقار إلى القدرات المالية، وانعدام الإمكانات اللوجستية، تشكل عائقا كبيرا للتحرك بطريقة سريعة، لإنقاذ النفوس البريئة من الموت المحقق، خصوصا وأن الكثير من العناصر الداعمة لتضميد الجروح النفسية، لدى الشرائح الاجتماعية، بحاجة إلى الكثير من الإمكانات المادية، وكذلك الاستعداد الكامل لتحمل الصعوبات، التي تواجه هذه العمليات المحفوفة بالمخاطر، بيد الاستسلام تكون ضريبة باهظة الثمن، في إزهاق الكثير من إلا وراح، لا سيما وأن إصرار أطراف الصراع على إدامة سفك الدماء، يضع أصحاب المنظومة الأخلاقية في تحد حقيقي، الأمر الذي يتمثل في الإصرار على الدخول في المواجهة المباشرة، بين الانتصار للمنظومة الأخلاقية، والتسليم لآلة الحرب والقتل.

وجود القيم الإنسانية عنصر أساسي، في ارتفاع منسوب المسؤولية، لدى بعض الفئات الاجتماعية، فالموقف المحايد يتناقض مع المنظومة الأخلاقية، خصوصا وأن سفك الدماء يحرك أصحاب الضمائر الحية، لاتخاذ مواقف إيجابية، بهدف إحداث تحولات واضحة في الضمير الإنساني، لا سيما وأن المصالح الخاصة تمثل المحرك الأساس، وراء إصرار أطراف الصراع على رفض جميع المبادرات الأخلاقية، لوقف نزيف الدماء، مما يستدعي انتهاج سياسات قادرة على إنقاذ الأنفس من الموت، الذي يطرق الأبواب في كل دقيقة.

التركيز على الجانب المشرق من الصراعات، يسهم في تكريس هذه الثقافة في الضمير الإنساني، لاسيما وأن العديد من وسائل الإعلام تتعاطى مع الجوانب الظاهرة في الغالب، مما يجعلها في منأى عن رؤية الزوايا الإيجابية من تلك الصراعات، فكما توجد أصابع تضغط على الزناد في الصراعات، توجد أصابع تعمل على تضميد الجراحات، فهذه الأصابع غير مشاهدة في الغالب، جراء ارتفاع أتربة الدمار والخراب.

الموقف الإيجابي من لدن مختلف الشرائح الاجتماعية، تجاه مبادرات إنقاذ الأرواح من الموت، أحد المحفزات الأساسية وراء تنامي هذه الظاهرة على الصعيد الإنساني، خصوصا وأن التكاتف والتعاضد يساعد في خلق جدار سميك يمكن الاستناد عليه، فيما يتعلق بمختلف التحركات الساعية لتغليب القيم الإنسانية في أوقات الصراعات، لاسيما وأن هناك العديد من التحديات التي تواجه أصحاب الأخلاقيات خلال نشوب تلك الحروب، ومنها خطر الإصابة واحتمالية فقدان الحياة، وكذلك التعامل بسلبية مع تلك التحركات من لدن أطراف الصراعات، مما يمثل خطرا كبيرا في عملية الاستمرار في هذه الجهود الإنسانية.

نقل المشاهد الأخلاقية بشكل مستمر عنصر أساسي، في تغليب صوت العقل على أصوات المدافع، فرؤية الأطفال في حالة مزرية يسهم في إحداث صحوة في الضمير الإنساني، مما يدفع لمحاولة الضغط على أصحاب القرار لاتخاذ المواقف المناسبة، بهدف إعادة الأمن والاستقرار عوضا من الاستمرار في تغليب منطق القتل والدمار، وبالتالي فإن الرهان يبقى على المنظومة الأخلاقية في فرض كلمتها في نهاية المطاف، لا سيما وأن البشرية عانت وما تزال تعاني من الحروب على اختلافها، الأمر الذي يتطلب وضع آليات قادرة على الانتصار للقيم الإنسانية، على حساب المصالح الشخصية لأصحاب القرار.

كاتب صحفي