آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 4:07 م

نجوى كرم

زكي بن علوي الشاعر

تقدم في المبحث السابق من مباحثنا العجرمية أن لنجوى كرم شأنًا عظيمًا لا تقل عظمته عن عظمة نجوى فؤاد التي أذابت رقصاتها الشرقية غير فؤاد، وأن لهؤلاء النسوة اللائي نقدمهن إلى العالم الصناعي ”متفشخرين“ بهن عليه تأثيرًا أكبر بكثير من تأثير علمائنا الأعلام، كما أن لأزواجنا الحظيات تأثيرًا أعلى شأنًا من تأثير البطة ”السودة“.. إذ ليس لها رب يعبد، بخلاف رب معبودات الجماهير الخاصة والعامة.

قال الشاعر:

بدَّكْ تِرْشَعْ واؐلَّ شو؟!

زَعْلَنْ مني.. باللَّ شو...؟!

عْيونَكْ هنِّي بلَّشوا

بزلمي، والبادي أزلمْ!!

وفي هذا الشعر - من الشواهد والفوائد - ما لا يكاد يحصيه عالم أدمن كتب العربية، وغيرها من اللغات السامية؛ إذ يستشهد به ويحتج على:

1 - لغة الإسراع والتخفف؛ ف ”زَعْلَنْ“ إسراع ب ”زعلان“.. ولو قالت إحدى البطات السود لبعلها وسألته: زعلان غناتي؟! ومدت لام ”زعلان“ أو قصرتها، لأغضبته وزادت من وجده؛ إذ أين لمعان شفتيها ”المقزز“ من لمعان نجوى كرم المحفز؟! إن بين ”اللمعانين“ لما بين الثريا والثرى، والترب والتبر... فافهم؛ فهَّمك الله تعالى!

2 - إحياء بعض مخارج الحروف الموسيقية الأصيلة، كالْشيم/الجيم، والضاء/الظاء، والزاء/الظاء، في مسموع آخر تضافر وتواتر، عن سيبويه ومن سبقه، ومن لحقه... وفي ذلك ما يحيي القلوب، ويثلج الصدور إثلاج صدر الحظية صدرَ من أحظاها فحباها!!

3 - فيه إبطال مذهب من ذهب من اللغويين إلى أن العرب لا يبدأون بساكن؛ فقد بدأ شاعرنا بساكن ”عْيونك“.. ومن أولى بالعربية وغيرها من شاعرنا؟! وفي البدء بالساكن ما فيه من علم المقامات الموسيقية، وله تأثير على السامع، إن صدر من مغنية غانية شامية!! وكما روت عجوز في الغابرين، فروينا عنها وحدثنا:

سوريا ولبناني

و... اؐمك يالبحراني!!

4 - فيه نقل حركة كاف ”عيونك“ إلى نونها؛ ليعرف خطاب الذكر من خطاب الأنثى! أما إذا قالت البطة ”السودة“ لبعلها/بغلها المنفتح على العالم الصناعي: عيونُك، فقد باءت بغضب الله ومقته؛ إذ إنها تغضب بعلها، فيلعنها الملائكة المقربون/الكروبيون، والنار أولى بها يوم يبعثون!!

4 - فيه تأمل في باء ”باللَّ“ من قوله: زعلن مني باللَّ شو...؟! أباء القسم هي أم باء مبدلة من واو عطف فارسية آرية عريقة ضاربة في عمق الحضارة الشرقية؟! والحق أن الحيرة بين الصوتين والمعنيين يؤنس عشاق الجمال والأنوثة الراقية، ويدعوهم إلى مزيد من تأمل الأحرف الشفوية، والشفاه المخرجتها طرية ندية، وهذا تطبيق عملي للجنَّة على الأرض!! فيا ليت قومي يعلمون!!

5 - فيه شاهد على الحذف، في قوله: شو...؟ فأيهما المحذوف؟ آلمبتدأ أم الخبر؟! وفي هذا ما يغنينا عن دراسة علوم البلاغة كلها؛ فالبلاغة الإيجاز، وفي إنشاد نجوى كرم ما يوافق مقتضي الحال ومقتضاه.

تبًّا وسحقًا لمن يرضعن أولادهن ومن يلدن! تبًّا وخسرانًا مبينًا لمن يعرضن عن عمليات التجميل! تبًّا لمن لا مموِّل لها يشهرها شهرة عالمية تمثل بها الشرق الأوسط! تبًّا لكل من تخلف عن ركب الحضارة وركوبها!!

هذا ما أردنا بيانه، والله أعلم بحقائق الأمور... والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.