الجمهور الخالص.. بين الجد والهزل!
فيما يشبه التسخين لبداية دوري كرة اليد، جلس أحد البارزين في رابطة مشجعي نادي الخليج خلف شاشة جواله ليطلق تغريدة يصف فيها محاسن هذا الجمهور ومزاياه، قلب أفكاره كما يبدو بطنا على ظهر، وهو يحاول نحت وصف لم يسبقه إليه أحد، وربما أطلق العنان كثيرا لمخيلته هذه المرة، قبل أن يمهد لنا الطريق لاكتشاف الميزة التي تجعل جمهور الخليج أعلى كعبا من باقي الأندية في دول الخليج، وهي كون المصفقين خلف الخليج كلهم من ذوي السحنة السيهاتية، ”مافيه خلط“ على حد قوله، أي أن جمهور الخليج بحسب ذلك هو جمهور خالص، محسوب على ذات المكان الذي ينتمي إليه النادي، لا يشاركهم في تشجيعه أحد!.
من الواضح بأن مغردنا لم يمنح الوقت لنفسه كي يراجع ما كتب، هو أراد أن يتحيز لجمهوره وفريقه على طريقته، وأن يغمز للآخرين بأن جمهورهم كما أهازيجهم و”شياليهم“ هي أشياء لا تعدو أن تكون فرحاً مستعاراً، لذلك جماهيريتهم ناقصة بمثل ما هي حظوظهم عند المقارنة بنادي يؤمن صاحبنا بأنه يتصدر مشهد التشجيع بقدر ما يتصدر بطولات كرة اليد اليوم.. هذا الاحساس بالتفرد الذي يراوده يرمي شعبية الخليج في مقتل، ويجعل من القيمة التاريخية لكرة اليد فيه مجرد ممارسة رياضية مقيدة بحدود الجغرافيا والتي كانت بالأمس وبشهادات الكثيرين منفتحة على طول الإقليم، يوم كانت الآلاف من البشر تتراص في الصالة الخضراء باختلاف سحناتها ومدنها وقراها لأجل تشجيع أسماء عرفتهم حلاوة اللعبة.
ما أراد به المغرد إياه ”مديحا“ سينقلب بسهولة إلى لحظة ”ذم“، أو لنقل بلغة أكثر تخففا إلى توهين لقيمة النادي وشعبيته، فالفرق الكبيرة تتنافس في توسيع دائرة شعبيتها لا في الانغلاق والعزلة، الكبير ليس من يستدير على نفسه، بل من يجعل من انجازاته وإبداعاته ذريعة لتشجيع الآخرين له، وكل مبالغة في وصف لون أو سحنة أو لكنة لهذا الجمهور سينتهي بنا إلى الشك في قيمة هذه المقارنات، بل وحتى دوافعها، فلا شيء خالص اليوم، ولا حتى بالأمس، فإذا جلبت جماهير الأندية الأخرى ”شيالين“ من أندية وبلدان ثانية، فإن جمهور الخليج كان ومازال يستعير الكثير من أهازيجه من هنا وهناك، كما انفتح بالأمس على الأهازيج الكويتية والأغاني العراقية، انفتح اليوم على أهازيج الرياضة السعودية في وجهها المختلفة.
لا يمكن برأيي فهم الانشغال بفكرة ”الجمهور الخالص“ إلا باعتباره تعويضا نفسيا عن الارتباكات النفسية التي أحدثها انفتاح النادي في طريق تطوير رياضاته خلال السنوات الأخيرة، وفيها كرة اليد، بقايا الجمهور من ”الحرس القديم“ مازالت بعض عواطفه لم تتشكل وتتكيف مع هذا الحضور الكثيف للاعبين من مختلف الأندية في طاقم الفريق الأول لكرة اليد، والتي كانت سببا في استعادة مكانة اللعبة، صدى الهمهمات التي كنا نسمعها في زاويا كرة القدم تتردد هنا وهي تنظر للماضي أكثر من نظرها للمستقبل، على اعتبار أن الخليج في عرف هذه الجماهير كان يستمد طاقته الروحية من هذه الرابطة بسيهات وناسها فقط!.