آخر تحديث: 24 / 4 / 2024م - 11:56 م

شهر التوبة 27

محمد أحمد التاروتي *

توظيف الجوارح فيما يرضي الله مهمة مطلوبة على الدوام، بيد أنها ليست سهلة على الإطلاق، فالصراع القائم بين النفس الأمارة بالسوء والعقل يشكل أبرز التحديات، التي تواجه الإنسان خلال مسيرته الحياتية، فالغرائز تغري باتجاه ارتكاب المحارم، بينما العقل يطالب المرء بضرورة اختيار طريق الصلاح، انطلاقا من ثابت عقلي يؤكد أن الحياة الدنيا ممر للآخرة، مما يستدعي وضع الحساب الأخروي في الاعتبار قبل الإقدام على العمل، وبالتالي فإن القدرة على السيطرة على الجوارح، عملية مطلوبة على الدوام ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [الإسراء: آية 36].

الإنسان يمتلك الخيار في استعمال الجوارح فيما يرضي الله، وكذلك بإمكانه استخدامها فيما يسخط الخالق، حيث تشكل الحياة امتحانا صعبا، في توظيف تلك الجوارح خلال مسيرته الحياتية، فكلما امتلك الإنسان القدرة على الاختيار السليم، في عملية استخدام الجوارح، كلما انعكس بصورة مباشرة على الجانب الإيماني، وكذلك على السلوك الأخلاقي، خصوصا وأن الاستعمال الخاطئ للجوارح يمهد الطريق، أمام تجاوز الكثير من الخطوط الحمراء، سواء على الصعيد الإيماني، أو الأخلاقي، أو الاجتماعي، الأمر الذي يحول الإنسان من كائن محترم إلى مخلوق منبوذ على الصعيد الاجتماعي.

تلعب النفس اللوامة دورا كبيرا في تحديد المسار الصائب، فيما يتعلق بأسلوب الحياة، ﴿وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ [القيامة: آية 2] فهذه النفس تمتلك القدرة على تقريع المرء على الدوام، مما ينعكس على بعض الممارسات الشخصية، سواء على الإطار العبادي أو الاجتماعي، حيث تقوم النفس اللوامة بدور كبير في المراجعة لمجمل الممارسات اليومية، مما يعطي الإنسان مساحة كافية لإعادة النظر، في بعض القناعات الذاتية أو الأعمال الشخصية، الأمر الذي يساعد في العودة إلى الطريق المستقيم، خصوصا وأن السير في الجادة الخاطئة، يقود نحو الهاوية في الحياة الدنيا، وكذلك في الآخرة ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [النحل: آية 78].

الخشية من الخالق تلعب دورا محركا، في توظيف الجوارح بالطريقة السليمة، خصوصا وأن الابتعاد عن المعاصي، والعمل على التقرب إلى الله، خطوات أساسية في تقوية الإيمان لدى الإنسان، الأمر الذي يمهد الطريق لتحقيق الغاية الكبرى، والمتمثلة في الفكاك من النار، بمعنى آخر، فإن العامل الإيماني يخلق حالة من الخوف الدائم من الله، بحيث يترجم على أشكال متعددة، من العبادات والطاعات بشكل مستمر، لا سيما وأن الإنسان يحصد نتائج عمله في الآخرة ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى «39» وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى «40» ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى «41» [النجم: آية 39,41].

فريضة الصيام قادرة على تقوية الإرادة الإنسان، في استخدام الجوارح بما يرضي الله تعالى، خصوصا وأن الصائم يحرص على الابتعاد عن المعاصي، فتارة تكون عبر تجنب أماكن المنكر، وتارة أخرى الابتعاد عن مواطن الشبهة، فالصوم يحرك للإنسان العنصر الإيماني بشكل كبير، حيث يكون الصائم في عبادة مستمرة طيلة ساعات النهار، وكذلك أثناء أوقات المساء، وبالتالي فإن الصيام عبادة قادرة على إحداث تحولات واضحة في السلوكيات الخارجية، من خلال السيطرة على الغرائز بما يرضي الله تعالى، حيث يقول الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين في دعائه، إذا دخل شهر رمضان ”اللهم: صل على محمد وآله، وألهمنا معرفة فضله، وإجلال حرمته، والتحفظ مما حظرت فيه، وأعنا على صيامه بكف الجوارح عن معاصيك، واستعمالها فيه بما يرضيك، حتى لا نصغي بأسماعنا إلى لغو، ولا نسرع بأبصارنا إلى لهو، وحتى لا نبسط أيدينا إلى محظور، ولا نخطو بأقدامنا إلى محجور، وحتى لا تعي بطوننا إلا ما أحللت، ولا تنطق ألسنتنا إلا بما مثلت، ولا نتكلف إلا ما يدني من ثوابك، ولا نتعاطى إلا الذي يقي من عقابك“.

كاتب صحفي