آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

الدين نافذة فكرية وسلوكية ‎‎

الدين الحنيف لا يقتصر في فهم معناه وحقيقته وأبعاده وتعريفه بأنه مجموعة من العبادات يؤديها المؤمن ويلتزم بها فقط، إذ هذا فهم قاصر ولا يوضح الحقيقة للدين والتي تشمل جميع أبعاد حياة الإنسان وعلاقاته، ولذا نجد أن الأحكام والتوجيهات الدينية تشمل الأبعاد الاجتماعية والأخلاقية والمالية والنفسية، وترفد الإنسان بمجموعة من الومضات النيرة والتي تشكل قبس نور له في دروب الحياة ومتاهاتها وتشعبات وتعقيدات مشهدها، وفي الساحة المعرفية والثقافية نجد تلك التعاليم الدينية الداعية إلى مبدأ القوة في شخصية الإنسان من خلال ما يحمله من معلومات ومعارف تشكل الزاد الثقافي عنده، وبالتالي فإن مبدأ تلاقح الأفكار والحوارات المفيدة نجدها في صلب الآيات القرآنية المستعرضة لسيرة الأنبياء ودعوتهم لأقوامهم لمبدأ التوحيد والعفة والاستقامة السلوكية، ومن جملة الأهداف من سردها هو بناء المدارك العقلية للفرد والتأسي بأؤلئك العظماء، والمتدين يحمل فكرا نيرا وزادا معرفيا يسلطه على المفاهيم والظواهر ويحللها بناء على معيار القيم الدينية وتوافقها معها من عدمها.

والأحكام والتوجيهات الدينية سهلة في مضامينها إذ يدركها العقل المنصف والناضج ويدرك ما تحمله من مصالح تدعو لها أو أمور تحرمها الشريعة لما تحمله من مفاسد وأضرار، وهذا لا يعني أن الدين بحذافيره يقاس بالعقل إذ هناك أمور لا يدرك المرء المصلحة فيها فيبقى في دائرة التعبد بها، ولكن لو نظرنا سريعا في الواجبات العبادية كالصلاة والصوم فإن القرآن الكريم يبين الغاية من فرضها، وهي اكتساب المتدين صفة التقوى والممانعة الروحية تجاه المنكرات والفواحش، وبالنسبة للفرائض المالية كالصدقة وغيرها لها غاية سامية إذ تطهر نفس المنفق من الأنانية والشح وتأخذ بيده نحو الانفتاح على حاجات وآلام الآخرين ومواساتهم، بما يقيم مظلة التكافل الاجتماعي والتي تعد اليوم فكرة رائجة باسم المنظمات الإنسانية لمساعدة الفقراء.

ومن صور توافق أحكام الدين والعقل تلك التوجيهات الدينية المتعلقة ببناء الأسرة وفق سور العاطفة البناءة والتفاهم والمساندة، كما أن تلك التوجيهات حذرت من مجموعة من المنغصات التي تهد تلك العلاقة بين الزوجين وتؤدي في النهاية إلى انهيارها، وفي وقتنا الراهن نجد مع تعقيدات الحياة والعلاقات الحاجة إلى الرجوع إلى تلك التعاليم الحاوية لمعالم الثقافة الزوجية.

وفي أصل تشريع الزواج - والذي حقيقته تقنين الغريزة الجنسية في قناة شرعية تتوافق مع طبيعة وفطرة كل من الرجل والمرأة - ما يشير إلى عظمة التعاليم الدينية، إذ ينعم الزوجان بحاجتهما للإشباع العاطفي والإحساس بدفء في علاقته بالطرف الآخر والانسجام معه والدخول في علاقة مشتركة يتجاوزان خلالها المصاعب والمشاكل من خلال تفاهمهما وتوافقهما.

ولا يمكننا فهم أهمية هذا التشريع الإسلامي الخاص بالزواج إلا إذا نظرنا إلى تلك المجتمعات الغربية وما يجري فيها من حالات اغتصاب وتحرشات في الأماكن العامة والعلاقات غير المشروعة لفتيات في مقتبل العمر دون رضا والديهن، وذلك أن للشاب والفتاة حاجات جنسية لا يمكن دفن الرأس عنها في الرمال وإغماض العين عنها، والإسلام يحترم هذه الخصوصية ولم يدع إلى تجاهلها وكبت هذه الغريزة، وإنما وضعها في القناة الشرعية التي تحفظ للشاب والفتاة كرامتهما ومشاعرهما.

والقيم الدينية قائمة على مكارم الأخلاق والدعوة إلى التحلي بالفضائل والتعامل الراقي والحسن مع الآخرين، وأهم العوامل الداعية إلى احترام الدين الحنيف هو ما يحمله من توجيهات تهذيبية للنفس واحترام العنصر البشري على اختلاف الأديان، وقد ذكر القرآن الكريم العامل الأقوى في دخول الناس في دين الله أفواجا هو ما كان يتحلى به الرسول الأكرم ﷺ من خلق رفيع جذاب للنفوس التواقة لاحترامها والتعامل معها بحسن والتسامي معها في التخاطب بالكلام اللين.

قد يشكل البعض بأن ما نراه من بعض المتدينين من تعامل فظ وكلمات مسيئة يعطي انطباعا سيئا عن التدين وأحكام الدين، والجواب على ذلك هو أن هذا السلوك المشين يمثل صاحبه ولا يعكس تلك التعاليم الإسلامية المشرقة والسامية، فلا تحسبن كل من تجلبب بالمظاهر والقشور أنه متدين، بل لاحظ سلوكياته وتعامله إن كان يتوافق مع التوجيهات الدينية فهو المتدين حقا.