آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 8:59 م

المناطق الاقتصادية الخاصة: اقتصاديات المكان وما بعد المكان

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة مال الاقتصادية

في إقليمنا في الخليج العربي، ما أن تتحدث عن“المناطق الحرة”حتى تقفز“دبي”، وهذا مبرر إذ أن المناطق الحرة ساهمت مساهمة جوهرية في نمو التجارة الدولية لإمارة دبي خلال عقدين من الزمن؛ من 143 مليار درهم في العام 2000 إلى نحو 1,3 تريليون درهم حالياً، ولم تأتي هذه المساهمة مجاناً، بل كان على السُلطات منح مزايا ملموسة لاستقطاب المستثمرين لتلك المناطق، منها: ملكية 100 بالمائة للمستثمر الأجنبي، حرية في تحويل رأس المال والأرباح بالكامل «100 بالمائة»، إعفاء كامل «100 بالمائة» من ضرائب ورسوم الاستيراد والتصدير، إعفاء بالكامل «100 بالمائة» من ضريبة الدخل لمدة 50 عام.

وإقامة الدول للمناطق الاقتصادية الخاصة ومنحها الحوافز السخية ليس حكراً على مجموعة صغيرة من الدول، بل هي ظاهرة منتشرة وأثبتت جدواها الاقتصادية، فتعداد المناطق يتجاوز 5400 في 147 بلداً، طبقاً لمنظمة“يونكتاد”.

لماذا كل هذه التضحيات؟ يبدو أن الإجابة واضحة - إن لم تكن بديهية - وهي أن المبرر هو لخلق الوظائف، تنمية الصادرات، تنويع الاقتصاد، وتحسين الإنتاجية. وكيف تنسجم فكرة“المناطق الاقتصادية الخاصة”مع النظرية الاقتصادية؟ ثمة سياسات اقتصادية ترتبط بالموقع، تعرف ب”السياسات المكانية”. وفي هذا السياق تتفاوت دوافع الدول؛ منها ما يلجأ لتوظيف السياسات المكانية لتنمية مواقع“منسية”، في حين أن أغلبية الدول تنشيء المناطق الاقتصادية لتنمية الصادرات ولاستقطاب الاستثمارات الأجنبية، ومن الدول من يستخدم السياسات المكانية للقفز بالميزة التنافسية بما يجعل كفتها ترجح - مقابل الدول المنافسة - عند المستثمرين الاستراتيجيين في صناعات وخدمات محددة، وذلك عبر تقديم أفضل عرض قيمة للمستثمرين «value proposition».

وإطلاق سمو ولي العهد للمناطق الاقتصادية الخاصة الأربع يسعى لتوظيف السياسات المكانية بما يحقق طموحات المملكة في النمو والتنوع الاقتصادي وخلق الوظائف، لكن باستخدام“مبضع جراح”إن جاز التعبير، فمواقع المناطق الأربع تنتشر من شرق إلى وسط إلى غرب المملكة، ولكلٍ سحنة متفرّدة:

- تستند المنطقة الاقتصادية بمدينة الملك عبدالله الاقتصادية إلى أن نصيب البحر الأحمر من التجارة الخارجية تقدر بحوالي 13 بالمائة، بما يجعل للمنطقة ميزة عالية في الوصول لسلاسل الإمداد العالمية ولاسيما السيارات مع وجود مصنع“لوسيد”قيد الإنشاء حالياً وما يستتبعه من احتياجات تكاملية.

- تتميز المنطقة الاقتصادية الخاصة برأس الخير بموقعها على الخليج العربي وتخصصها ببناء السفن ومنصات الحفر البحرية.

- تبرز المنطقة الاقتصادية الخاصة بجازان ببنيتها التحتية الصناعية المتقدمة بما يوفر الفرصة كاملة للصناعات التعدينية والصناعات الغذائية وأعمال المناولة اللوجستية.

- وتوفر المنطقة الاقتصادية الخاصة بالحوسبة السحابية في الرياض ميزة للمملكة لاستقطاب المستثمرين التقنيين، باعتبار أن هذه المنطقة الاقتصادية ليست“مكانية”بل“افتراضية، بما يعزز تنافسية المملكة في الريادة التقنية ولاسيما الاستثمار في التقنية المالية «الفنتك»، وتوسع هذه المنطقة ميدان الاستثمار السعودي بما يهيئه لاحتضان الاستثمارات القائمة على الحوسبة بما في ذلك توفير خدمات تخزين البيانات وتوفير خدمات القدرة الحوسبية عبر مراكز البيانات العالمية.

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى