آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 6:39 م

طريق الحق

محمد أحمد التاروتي *

أعطى أمير المؤمنين دروسا كثيرة، للأمة الإسلامية طوال حياته الشريفة، فقد واصل مشوار حياته في مقارعة الظلم والباطل، من خلال اعتماد مبادئ واضحة في جميع الخطوات، بحيث شكلت نبراسا لطالبي الحق على الدوام، فقد حملت وصيته الأخيرة قبل استشهاده لولديه «الحسن والحسين» إشارة واضحة على ضرورة انتهاج سبيل الحق، وعدم التنازل عن نصرة المظلوم بقوله ”كونا للظالم خصما وللمظلوم عونا“.

سيرة الإمام علي تمثل طريقا لطالبي الحق على الدوام، فقدت تجسدت فيها كل معاني الفضيلة والسمو، من خلال اعتماد خط ثابت في مواصلة مشوار الحق، وعدم التنازل عن تلك القيم الإسلامية الثابتة، إذ لم تتبدل سيرته الشريفة على مدى العقود الستة التي عاشها، فالتاريخ لم يتحدث عن وجود اختلافات على الإطلاق في سيرته العطرة، فالمبادئ التي كان يحملها أثناء حياة الرسول ﷺ، ذاتها التي اعتمدها بعد انتقال المصطفى ﷺ إلى جوار ربه، وكذلك الأمر بعد استلام مسند الخلافة الإسلامية على مدى السنوات الأربع، ”وَاللّهِ، لا اُداهِنُ في ديني، ولا اُعطِي الرِّياءَ في أمري“.

رفض الإمام علي انتهاج مبدأ المراوغة، والجور في التعامل مع الخصوم، بقوله ”أَتَأْمُرُونِّي أَنْ أَطْلُبَ النَّصْرَ بِالْجَوْرِ، لَا وَ اللَّهِ لَا أَفْعَلُ مَا طَلَعَتْ شَمْسٌ وَ لَاحَ فِي السَّمَاءِ نَجْمٌ“، فهذه الطريقة في منهج أمير المؤمنين غير واردة على الإطلاق، حيث تمثل خيانة كبرى وأسلوب غير سليم مهما كانت المبررات، الأمر الذي يفسر رفضه مبدأ المساومة، أو التنازل المؤقت في سبيل تحقيق المكاسب السياسية، حيث وقف بقوة أمام الدعوات القائلة، بمداهنة معاوية بن أبي سفيان، وعدم عزله فورا، من أجل تقوية موقفه في الخلافة، بحيث يعمد لعزله من إمارة الشام، ”لا وَاللّهِ، لا أستَعمِلُ مُعاوِيَةَ يَومَينِ أبَدا“.

الثبات على منهج الحق، ورفض مختلف أساليب الخداع والمساومة، تمثل أحد معالم سيرة أمير المؤمنين في التعامل مع الجميع، فالحق واضح والباطل باين، فصاحب الحق يرفض انتهاج أساليب الخداع، في تحقيق أهدافه، فالإمام علي يختصر هذه الحقيقة بقوله ”أيها الناس لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلة أهله“، بمعنى آخر، فإن محاولة الوصول إلى الأهداف بالمكر، والخديعة أمر مرفوض في منهج سيد الأوصياء ، حيث أطلق مقولته الشهيرة ”والله ما معاوية بأدهى مني ولكنه يغدر ويفجر ولولا كراهية الغدر كنت من أدهى الناس ولكن كل غدرة فجرة وكل فجرة كفرة ولكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة والله ما استغفل بالمكيدة ولا استغمز بالشديدة“، وبالتالي فإن الأساليب السياسية التي ينتهجها البعض في تحقيق المآرب، لا تجد طريقها في مسلك سيد الأوصياء على الإطلاق.

استطاع الإمام علي رسم مسار واضح، لطالبي الحق على الدوام، فهذه السيرة العطرة تمثل أنموذجا فريدا من نوعه في التاريخ الإسلامي، حيث رفض المساومة على المبادئ في الكثير من المواقف، سواء بالنسبة للتعامل مع الولاة أو مع الرعية، ففي الوقت الذي يرسل خطاباً شديد اللهجة إلى والي البصرة عثمان بن حنيف على خلفية استجابته إلى دعوة طعام، ”فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلاً مِنْ فِتْيَةِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ دَعَاكَ إلى مَأْدُبَةٍ، فَأَسْرَعْتَ إِلَيْهَا، تُسْتَطَابُ لَكَ الأَلْوَانُ، وَتُنْقَلُ إِلَيْكَ الجِفَانُ، وَمَا ظَنَنْتُ أَنَّكَ تُجِيبُ إِلى طَعَامِ قَوْمٍ، عَائِلُهُمْ مَجْفُوٌّ، وَغَنِيُّهُمْ مَدْعُوّ“، فإنه يأمر بصرف عطاء من بيت مال المسلمين لإحدى الرعايا من النصارى، حيث تمثل هذه القرارات الصارمة قمة التزام الحق، وعدم التنازل عن إعطاء الحقوق لأصحابه، فهو لا يجد غضاضة من تقريع أحد الولاة على بعض الممارسات، التي تحابي الأغنياء على حساب الفقراء، فيما يقوم على الطرف الآخر بإنصاف الرعية بدون التفريق بين المسلم والنصراني، فالمبدأ واحد في التعامل مع الرعية.

كاتب صحفي