آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 12:34 ص

إمام المتقين (ع) هوية العطاء والنبل والمشاعر الإنسانية

لن تضيف الحروف التي ننسقها للكتابة عن أمير المؤمنين شيئا ولن تعرف عنه بنحو جلاء الحقيقة، فالعظماء لا يستوفى حقهم ولا يعرفهم حق المعرفة إلا من كان في مثل مقامهم وشأنهم، ولكن الداعي لذلك هو استلهام الدروس والعبر من تلك المواقف المشرقة والتي تشكل ومضا منهجيا نتخذه مسارا نقتفي أثره، فعلي مكارم الأخلاق تتجسد على أرض الواقع وتشكل منهج الكمال والرقي الأخلاقي والإنساني، فهو أيقونة الحب لكل البشرية لما لمسوه ووجدوه في تعامله وسلوكياته ما يروي الظمآن للمعارف والحكمة والرشد العقلي والاتزان السلوكي والوجداني، فذلك العظيم الذي يمتلك قلبا جسورا وبأسا شديدا في ساحات الدفاع عن الإسلام ودعوة التوحيد، فتتساقط بسيفه هامات الأبطال ولا يجرؤ أحد منهم على الاقتراب منه في سوح الوغى، تجد منه كل الحنان والمحبة التي يفيضها على اليتامى والمساكين، إذ وجدوا فيه الأب الرؤوف والمربي العظيم بأخلاقياته، وفي كل كتابة تقارب شيئا من سيرته تشكل إضافة معرفية وتربوية تقدم كتحفة للأجيال المتعطشة لسيرة عظيم ما جادت الأيام والزمان بمثله.

إن أفضل الأوقات وأنفعها ما قضيناها في البحث والتأمل في كل مفردة من السيرة العلوية، فإن منابت الحكمة والرشد لا يأتي من فراغ، بل هو تفعيل المدارك العقلية وامتزاجها مع تلك الكلمات النيرة والمواقف المشرفة لاستخراج ما تستبطنه من مضامين عالية ودروس تربوية تصب الإصلاح والتهذيب على أنفسنا، كما أن سلوكياتنا وتصرفاتنا بحاجة إلى ما يكسبها الهدوء والاتزان، وهذه سيرة رجل عظيم تستحق الوقوف عليها بحذافيرها، وما أفضله من عمل أن يسجل الواحد منا انطباعاته وتعليقاته على بعض تلك المواقف وكتابتها أو التحدث بها، فهذا ما يجعل هذه السيرة العطرة حية وفاعلة ومتحركة في جنبات حياتنا وعلاقاتنا بحيث لا نحيد عنها، وذكر سيرته الغراء يهبنا عزما وإرادة في مواجهة التحديات والصعاب، وانبعاث الأمل المتجدد مهما واجهنا من نكبات وعراقيل، فإننا أمام عابد لازم محراب الطاعة وما كان بالذي يطمع في ثواب وإنما هي تجليات معرفة الحق سبحانه وشكر للمنعم على ما تفضل به من مواهب ونعماء لا تعد ولا تحصى، فصلاة أمير المؤمنين أوقات تعظيم للخالق والانطلاق في التفكر في ملكوت الله تعالى، ولقد كانت لحيته تتبلل بالدموع من خشية الله تعالى ويبكي على نفسه في الأدعية والمناجاة، وما ذاك إلا تعليم لنا في نسج العلاقة الحقيقية مع الخالق وتعظيمه من خلال حضور القلب في العبادة؛ لئلا تتحول إلى عادة فارغة من كل المعاني وتؤول إلى صورة وهيئة لا مفاعيل لها في ساحة الورع والنهي عن الفحشاء والمنكر، وعلي مدرسة في ميدان العمل الحثيث والجد والاجتهاد بلا ملل، وهذا كاشف عما كان عليه من علو همة وإرادة تفت الجبال الرواسي، وهو الأسوة الحسنة لنا في التشبث بالأمل بالله تعالى مهما علت أمواج الصعاب والظروف القاهرة، فننزع عنا رداء الكسل وتضييع الأوقات وننطلق بهمة قد وضعنا بين ناظرينا سيرة إمام المتقين ، والذي كان يجلس بين يديه المؤمنون لينهلوا من علمه ويدونوا ما ينطق به من معارف وقيم وتوجيهات تنزه النفوس عن الرذائل وتنشط العقول في ساحة الأحداث والمفاهيم والظواهر وتجلي حقيقتها، وهو المدرسة في تفقد أحوال الآخرين ومواساتهم في آلامهم وجراحهم المادية والمعنوية والعمل على قضاء حوائجهم، وفي المقابل فإنه طلق الدنيا بمتاعها الزائل وزهد فيها فواسى الضعفاء بالعيش البسيط، وقد كان للفقراء نصيب من وصيته في اللحظات الأخيرة والدعوة إلى تعاهد أحوالهم؛ ليضرب بذلك مثلا في دنيا المشاعر الإنسانية النبيلة فلا يرى لنفسه راحة إلا بالاطمئنان على أحوالهم وتقديم ما يخفف عنهم من وطأة الاحتياج، وعلي تسامى في ساحة التسامح والصفح عن المسيئين ولم يحمل قط مشاعر كراهية لأحد؛ ليعلمنا أن نقاء القلب من الأحقاد كنز ثمين ورأس مال كبير وزاد عظيم ليوم القيامة، وهكذا يعلمنا أمير المؤمنين أن النفوس إذا علت في عالم الفضيلة والأخلاق الرفيعة، ترفعت على ردات الفعل العنيفة ورد الإساءة بمثلها، بل يجد المرء سعادته في تمسكه بمبادئه وقيمه التربوية التي تشكل هويته ومعالم شخصيته.