آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 2:22 م

الدبلوماسية الموازية بين السعودية وإيران

حسن المصطفى * صحيفة الرياض

ضمن النسخة الثانية من مسابقة ”عطر الكلام“، وفي ”مسار القرآن“، فاز القارئ الإيراني يونس شاهمرادي بالمركز الأول، متقدماً على بقية القراء، في المنافسة التي تنظمها سنوياً ”الهيئة العامة للترفيه“ بالمملكة العربية السعودية.

في ذات الوقت، كان سفراء السعودية وإيران، يلتقون على موائد إفطار رمضانية، في أكثر من عاصمة عربية وأوربية، ويتداول المتابعون أخبار هذه الموائد وصورها في وسائل التواصل الاجتماعي.

لم يكن الجمهور يتلصصُ على أنواع أطباق الطعام على تلك الموائد، بل كانوا يرصدون هذه اللقاءات، وأثرها في تدعيم مسار العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران، بُعيد الإعلان عن الاتفاق على عودة العلاقات بين السعودية وإيران برعاية صينية، وهو الإعلان الذي وجد أصداء كبيرة، فاجأت كثيرين، خصوصاً الصقور وتجار الحروب الذين يقتاتون على الأزمات ولا يريدونها أن تنتهي.

إبان فترة عمله سفيراً للمملكة العربية السعودية، في الولايات المتحدة الأمريكية، كان الأمير بندر بن سلطان بن عبدالعزيز، يحرض على إقامة موائد إفطار في شهر رمضان، يوجه فيها الدعوة سواء لمنسوبي السفارة أو أعضاء السلك الدبلوماسي العربي والإسلامي.

رغم أن تلك الفترة لم تكن العلاقات حسنة بين الرياض وطهران، ووصلت حد قطعها، وعدم وجود سفارة للجمهورية الإسلامية الإيرانية في العاصمة الأمريكية واشنطن، إلا أن الأمير بندر بن سلطان كان حريصاً على دعوة رئيس مكتب رعاية المصالح الإيرانية، وكان في فترة ما يقع ضمن نطاق عمل السفارة الباكستانية، ورئيس المكتب حينها كان إيراني الجنسية، ومع هذا كانت توجه له الدعوة، لأنها تشمل جميع العاملين المسلمين في السلك الدبلوماسي.

إذن، هذه المشاهد المتتابعة لعدد من الموائد الرمضانية السعودية - الإيرانية، هي في أساسها امتداد لنهج دبلوماسي سعودي، يسعى دائماً لأن يبقي جسراً للتواصل، وأن تكون هنالك قناة لتنسيق العمل ولو في حدوده الدنيا، لأن السعودية وإيران بلدان جاران، تحكمهما الجغرافيا السياسية، وإن اختلفا في طريقة التفكير والحكم وأسلوب العمل الخارجي، إلا أنهما محكومتان بأن يكون الحوار الجاد والشفاف، هو الطريق الوحيد لحل المشكلات وتنظيم الخلافات وتثبيت مبدأ حُسن الجوار.

يناير 2016 تم قطع العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، بسبب الاعتداء على البعثات الدبلوماسية للمملكة في طهران ومشهد، إلا أنه رغم ذلك، بقي هنالك ما يعرف ب ”المسار الثاني“، وهو أحد أنواع الدبلوماسية التواصلية غير الرسمية، التي تنشط فيها مراكز أبحاث ودراسات، تجمع باحثين ومثقفين وصحافيين سعوديين وإيرانيين مستقلين، يتناقشون في قضايا محددة، بعيداً عن الإعلام، وفي جلسات مغلقة، بهدف إبقاء التواصل بين النخب العلمية في البلدين، ولو ضمن مبادرات محدودة، إلا أنها أثبتت كفاءتها وقدرتها على تكوين رأي عام ضمن هذه النخب والدائرة المؤثرة بأهمية الحوار المباشر ودون وسيط ينقل الرسائل!

صحيفة ”عرب نيوز“، وبمناسبة يوم ”النوروز“، خصصت صفحتها الأولى لتهنئة الشعوب التي تحتفل ب ”النوروز“، وكتب رئيس تحريرها فيصل عباس مقالة افتتاحية، إضافة لعدد من التقارير التي تضمن العدد الخاص، في رسالة ”سلام“ واضحة، ترسخ احترام التعددية الثقافية بين الشعوب المختلفة.

هي مبادرات قد يراها البعض صغيرة، إلا أنها مهمة وفعالة، ضمن سياق ”الدبلوماسية الموازية“، خصوصاً إذا تم العمل عليها باحترافية، وبعيداً عن التوجيه الشعبوي أو تأثير العواطف والمواقف الحادة؛ وبإمكان هذه المبادرات أن تكون مساحة للتواصل والحوار، تقود لمشاريع عمل مشتركة تساهم في ترسيخ أمن واستقرار الشرق الأوسط.

هذه ”الدبلوماسية الموازية“ يجب ألا يتوقف العمل عليها، وأن تتسع دائرتها، لتشمل: الموسيقى، الفنون، المسرح، الثقافة، السينما، الرياضة، الطهي، العلوم.. فهنالك عشرات الحقول التي سيثمر التعاون الشعبي وبين النخب فيها في تدعيم مسار العلاقات السعودية - الإيرانية.